المطلب الثاني: مفهوم الإجازة القرآنية
والإجازة القرآنية: هي عمليةُ النَّقلِ الصوتيِّ للقرآن الكريمِ من جيلٍ إلى جيل، وفيها يَشهدُ المُجيزُ أنَّ تلاوةَ المُجازِ قد صارت صحيحةً مئةً بالمئةِ بالنسبةِ للروايةِ - أو الرواياتِ - التي أجازَهُ بها، ثم يَأذَنُ له أَنْ يَقرأَ ويُقرِئَ غَيرَه القرآنَ الكريمَ. (١)
وعلى هذا فالإجازة المعتبرة يسمع فيها الشيخُ المُجيزُ من القارئ المُجَاز القرآن كله من فاتحته إلى خاتمته حرفًا حرفًا، وهو يتلقاه عنه طرفًا طرفًا.
المطلب الثالث: أهميةُ الإجازةِ
مما لا شكَّ فيه أنَّ طلبَ الإجازةِ في قراءةِ القرآنِ الكريمِ، قراءةً صحيحةً، متَّصلةَ السَّنَدِ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمرٌ محمودٌ شرعًا، كيف لا وقد جاء عن بعضِ السلَفِ رحمَهم اللهُ الرِّحلةُ في طلب الحديث؟ فالرِّحلةُ في طلبِ إتقانِ تلاوةِ القرآنِ مِنْ بابِ أَوْلى، وصاحبُها مأجورٌ مشكور.
وتبرُزُ أهميةُ الإجازةِ بأنه: لا يَصحُّ لأحدٍ أن يُقرئَ القرآنَ الكريم، حتى يأخذَه أخذًا كامِلًا من أفواهِ المشايخِ العارفين المُتقِنين، ويُؤذَنَ له بالإقراء، فإن لم يُؤذنْ له بالإقراءِ فلا ينبغي أن يُقرئَ القرآنَ حتى لو قرأَ القرآنَ مراتٍ عديدة، فإنَّ السماعَ والعَرْضَ لا يكفِيانِ في صِحَّةِ أداءِ القرآنِ بعد زمانِ شُيوعِ اللَّحْن، بل لا بُدَّ معهما من إجازةٍ وإذنٍ بالقراءةِ والإقراءِ، وذلك لأنَّ الطالبَ قد يقرأُ القرآنَ كلَّه على شيخِه مِرارًا ولا يُتقِنُ الأداءَ فلا يُجيزُه الشيخ، ومِن ذلك ما ذكرَه ابنُ الجزريِّ -رحمه اللهُ تعالى- عن الإمامِ أحمدَ بنِ أحمدَ بنِ إبراهيمَ الهاشميِّ (ت ٦٤٦ هـ) أنَّه قرأ عليه أبو جعفرٍ بنُ الزبيرِ روايةَ ورشٍ عِدَّةَ خَتَمات، قال: ولم يُجِزْني، وقرأ عليه بعضُ أَتْرابي وأجازَ له.
ومِن هنا: كان بعضُ السَّلفِ رحمَهم اللهُ يَطلُبون من بعضِ تلاميذِهم إِعادةَ قراءةِ القرآن مرَّاتٍ عديدةٍ حتى يَستوثِقوا مِنْ إتقانِهم.
فمِن ذلك: أنَّ مجاهدَ بنَ جَبْرٍ المكِّيَّ قرأ على ابنِ عبَّاسٍ ثلاثينَ ختمة يستوقفه عند كل آيةٍ يسأله عنها. (٢)
ومِن ذلك: أنَّ الإمامَ أبا جعفرٍ عرَضَ القرآنَ على مولاه عبدِ اللهِ بنِ عيَّاش، وعلى عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ، وعلى أبي هريرةَ رضي الله عنهما.
ومِن ذلك: أنَّ الإمامَ نافعَ بنَ أبي نُعيَمٍ قال:
(١) المعايير العلمية لتعليم القرآن الكريم في مجال الإجازة القرآنية بالسند المتصل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم، المجلس العالمي لشيوخ الإقراء، بتاريخ: ٢٥ ربيع الآخر ١٤٤٠ هـ.
(٢) (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ ٦ صـ ١٩)، (والجرح) ٨/ ٣١٩، (والحلية) ٣/ ٢٨٠، (وتهذيب الأسماء) ٢/ ٨٣، (وتهذيب الكمال (٣/ ١٣٠٥، (والعبر) ١/ ٩٥)