هو خلقة فنحو: أسوَدَ وأحمرَ, وأعورَ, وأشهابَ, وطالَ وما أشبه ذلك. وأما حركة الجسم بغير ملاقاة لشيء آخر فنحو: قامَ وقعدَ, وسارَ وغارَ, ألا ترى أن هذه الأفعال مصوغة لحركة الجسم وهيئته في ذاته, فإن قال قائل: فلا بد لهذه الأفعال من أن تلاقي المكان وأن تكون فيه. قيل: هذا لا بدَّ منه لكل فعلٍ, والمتعدي وغير المتعدي في هذا سواء وإنما علمنا محيط بأن ذلك كذلك, لأن الفعل يصنع ليدل على المكان كما صيغ ليدل على المصدر والزمان.
وأما أفعال النفس التي لا تتعداها فنحو: كرُمَ, وظَرُفَ, وفَكَر, وغَضِبَ, وخَبرَ, وبَطُرَ, ومَلُحَ, وحَسُنَ, وسمحَ, وما أشبه ذلك. وأما الفعل الذي يتعدى, فكل حركة للجسم كانت ملاقيةً لغيرها وما أشبه ذلك من أفعال النفس وأفعال الحواس من الخمس كلها متعدية ملاقية نحو: نظرت/١٧٥ وشممت, وسمعت, وذقت, ولمست, وجميع ما كان في معانيهن فهو متعد, وكذلك حركة الجسم إذا لاقت شيئًا كان الفعلُ من ذلك متعديًا نحو: أتيتُ زيدًا ووطئتُ بلدكَ وداركَ وأما قولك: فارقته وقاطعتهُ, وباريتهُ, وتاركتهُ, فإنما معناه: فعلت كما يفعل وساويت بين الفعلين, والمساواة إنما تعلم بالتلاقي وتركتكَ في معنى تاركتكَ لأن كل شيء تركتهُ فقد ترككَ فافهم هذا فإن فيه غموضًا قليلًا.
وقد اختلف النحويون في: "دخلت البيت" هل هو متعد أو غير متعد, وإنما التبس عليهم ذلك لاستعمال العرب له بغير حرف الجر في كثير من المواضع وهو عندي غير متعد كما قدمناه وإنك لما قلت: دخلت إنما عنيت بذلك انتقالك من بسيط الأرض ومنكشفها إلى ما كان منها غير بسيط منكشف فالانتقال ضربٌ واحدٌ وإن اختلفت المواضع و"دخلت" مثل غرتُ إذا أتيت الغور/ ١٧٦ فإن وجب أن يكون "دخلت" متعديًا وجبَ أن يتعدى "غرتُ" ودليلٌ آخر: أنك لا ترى فعلًا من الأفعال يكون متعديًا إلا كان مضاده متعديًا وإن كان غير متعد كان مضادُهُ غير متعد, فَمن ذلك: تحركَ،