يدخل فيهم, نحو: جاءني القوم إلا زيدًا, فإن قال: ما جاءني زيد إلا عمرًا, فلا يجوز إلا على معنى لكن/ ٣٣٢.
واعلم: أن إلا في كل موضع على معناها في الاستثناء, وأنها لا بد من أن تخرج بعضًا من كل, فإذا كان الاستثناء منقطعًا, فلا بد من أن يكون الكلام الذي قبل إلا قد دل على ما يُستَثْنى منه فتفقد هذا فإنه يدقّ, فمن ذلك قوله تعالى: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} ١, فالعاصم الفاعل, من رحم ليس بعاصم ولكنه دلّ على العصمة والنجاة. فكأنه قال -والله أعلم: لكن من رحم يُعصم أو معصوم, ومن ذلك قوله تعالى: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} ٢, وهذا الضرب في القرآن كثير. ومن ذلك من الكلام: لا تكونن من فلان في شيء إلا سلامًا بسلام, وما زاد إلا ما نقص, وما نفع إلا ما ضرَّ, "فما نفع" مع الفعل بمنزلة اسم٣. ولولا "ما" لم يجز الفعل هنا بعد إلا وإنما حسن هذا الكلام؛ لأنه لما قال: ما زاد دل على قوله هو على حاله, فكأنه/ ٣٣٣ ٤ قال: هو على حاله إلا ما نقص, وكذلك دل بقوله: ما نفع ما هو على أمره إلا ما ضرَّ وقال الشاعر:
نَجَا سَالِم والنَّفْسُ مِنْهُ بِشِدْقهِ ... ولم يَنْج إلا جَفْنَ سيفٍ ومئزَرا٥
١ هود: ٤٣ الاستثناء في الآية يكون منقطعا إذا أبقى عاصم على أصل معناه، ويكون المراد عن رحم المعصوم أما إذا أريد بمعنى من رحم الله تعالى، أي: الراحم، أو أريد بعاصم معنى معصوم فاعل بمعنى مفعول أو صيغة نسب، أي: ذي عصمة أو قدر حذف مضاف، أي: مكان من رحم -كان الاستثناء متصلا- وانظر: العكبري ٢/ ٢١، والبحر المحيط ٥/ ٢٢٧، وابن يعيش ٢/ ٨١، وشرح الكافية للرضي ١/ ٢١٠، والكشاف ٢/ ٢١٧، والتذييل والتكميل لأبي حيان ٤/ ٢١٥.
٢ يونس: ٩٨. أي: ولكن قوم يونس. وانظر الكتاب ١/ ٣٦٦.
٣ نحو النقصان والضرر.
٤ انظر الكتاب ١/ ٣٦٧.
٥ الشاهد فيه نصب "جفن" على الاستثناء، وإلا هنا بمعنى: لكن وهو لحذيفة بن أنس الهذلي وقيل: لأبي خراش. ويروى: نجا عامر، أي: نجا والنفس في شدقه، وزعم يونس: أن معناه: لم ينج إلا بجفن سيف. وانظر الجمهرة ٢/ ٣٦٦. والصاحبي/ ٨.