قال أبو بكر: ويجوز عندي: كم رجلًا رأيت ونساءهم/ ٣٧٠ لأن المعنى: كم رجالًا رأيت ونساء لهم. وتقول: كم زيد قائم, وبكم ثوبك مصبوغ تريد: كم مرة أو ساعة زيد قائم, وما أشبه ذلك. وبكم درهمًا أو دينارًا ثوبك مصبوغ وما أشبه ذلك.
قال الفراء: إذا قلت: عندي خمسة أثوابًا, فهو أشبه شيء بقولك: مررت برجل حسن وجهًا.
قال أبو بكر: وليس هو عند أصحابنا١ كذلك, لأن وجهًا عندهم منصوب بأنه مشبه بالمفعول؛ لأن حسن يشبه اسم الفاعل. وقد مضى ذكر هذا. والنصب في قولهم: خمسة أثوابًا شاذ, إنما يجوز مثله في ضرورة شاعر.
وقال أحمد بن يحيى٢ -رحمه الله: كل منصوب على التفسير فقد جعل ما قبله في تأويل الفعل, ولذلك قلت: عندي خمسة وزنًا وعددًا فجعلت لها مصدرًا. فتأويله عندي ما يعد به الدرهم خمسة وكذلك في كل التفسير ترده تقديره إلى أن تقدره الفعل: فإن قال قائل: فأنت تقول: ما/ ٣٧١ أحسنك من الرجال وما أحسنك من رجل فيثبتهما إذًا فيه فرق إذا قلت: ما أحسنك من الرجال فإنما تريد: أنتَ حَسَنٌ مِن بينهم ومِن جماعتِهم وإذا قلتَ: مِنْ رجل ففيها مَذاهب.
أما مذهب أبي العباس محمد بن يزيد -رحمه الله- فيقول: فصلوا بين الحال والتمييز, وقد مضى ذكر ذلك. وقال غيره: تكون "من" هنا لابتداء الغاية كأنك قلت: ما أحسنك من أول أحوالك يوصف بها الرجل إلى غاية النهاية ومذهب آخر أن تكون "من" تبعيضًا للجنس المميز برجل رجل كأنك
١ أي: البصريون، لأنهم يرون أن الصفة المشبهة تعمل عمل اسم الفاعل.
٢ أحمد بن يحيى: أبو العباس الملقب بثعلب، كبير نحاة الكوفة في عصره، مات سنة "٢٩١هـ" وترجمته مستوفاة في: إنباه الرواة ١/ ١٣٨، وطبقات الزبيدي/ ١٥٥، ونزهة الألباء/ ٢٩٣، ومعجم الأدباء ٥/ ١٠٢.