اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} ١. ومن هذا قول النبي, صلى الله عليه وسلم: "أرأيت من لا أكل ولا شرب ولا صاح فاستهل" أي: من لم يأكل ولم يشرب يعني الجنين. فإذا قلت: والله أفعل ذاك, فمعناه: لا أفعل, فلو قلت: والله أقوم تريد: لأقومنَّ كان خطأ؛ لأنها حذفت استخفافًا لاستبداد الإِيجاب باللام والنون, ولهذا موضع آخر يذكر فيه, ويكون في موضع/ ٤٦٧ "ليس" وقد مضى ذكرها, وقد تكون "لا" مؤكدة كما كانت "ما" في قوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} ٢ و"مما خطاياهم"٣. فمن ذلك قوله: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} ٤.. إنما هو: فأقسم, يدلك على ذلك قوله: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} ٥.. وكذلك قال المفسرون في قوله: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} ٦ إنما هو: أُقسم, فوقع القسم على قوله: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} ٧. قال أبو العباس: فقيل لهم في عروض ذلك: أن الزوائد من هذا الضرب إنما تقع بين كلامين أو بعد كلام كقولك: جئتك لأمرٍ ما, فكان من جوابهم: أن مجاز القرآن كله مجاز سورة واحدة بعد ابتدائه, وأن بعضه متصل ببعض, فمن ذلك قوله: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ} ٨. وقوله: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} ٩, وإنما هو:
لا تستوي الحسنة والسيئة, ومعناه ينبئك عن ذلك/ ٤٦٨ إنما هو: لا تساوي الحسنة السيئة.
١ البلد: ١٠, ١١، والآية: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ, فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} .
٢ آل عمران: ١٥٩.
٣ نوح: ٢٥ قال شعيب: قرأ أبو عمرو بن العلاء المازني البصري: "مما خطاياهم" مثل قضاياهم، وقرأ الباقون: "خطيئاتهم".
٤ المعارج: ٤٠.
٥ الواقعة: ٧٦.
٦ القيامة: ١.
٧ القيامة: ١٧.
٨ الحديد: ٢٩. وانظر: الكتاب ٢/ ٣٠٦. والمقتضب ١/ ٤٧.
٩ فصلت: ٣٤.