البرق من السحاب, وشممت من داري الريحان من الطريق "فمن" الأولى للفاعل و"من" الثانية للمفعول, وعلى هذا جميع هذا الباب, لا يجوز عندي غيره, إنما جاز هذا لأن للمفعول حصة مِن الفعل كما للفاعل. وبعض العرب يحذف الأسماء مع "من" وقد ذكرنا بعض ذلك فيما قد مضى, قال الله تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} ١: والتأويل عند أصحابنا٢: وما منا أحد إلا له. والكوفيون يقولون إن "مَنْ" تضمر مع "من" وفي التأويل عندهم: إلا مَنْ له مقام/ ٤٨٥ وما كان بعده شيء لم يسم غاية, قال سيبويه: "إلى" منتهى لابتداء الغاية يقول: مِنْ كذا إلى كذا. ويقول: الرجل: إنما أنا إليك أي: أنت غايتي وتقول: قمت إليه فتجعله منتهاك من مكانك٣.
"في": وفي معناها الوعاء. فإذا قلت: فلان في البيت, فإنما تريد: أن البيت قد حواه وكذلك: المال في الكيس فإن قلت: في فلان عيب, فمجاز واتساع؛ لأنكَ جعلتَ الرجل مكانًا للعيب يحتويه وإنما هذا تمثيل بذاك, وكذلك تقول: أتيتُ فلانًا وهو في عنفوان شبابه أي: وهو في أمرهِ ونهيهِ فهذا تشبيه وتمثيل, أي: أحاطت بهِ هذه الأمور قال٤: وإن اتسعت في الكلام فإنما تكون كالمثل يجاءُ به يقارب الشيء وليس مثله٥.
"الباء": معناه الإِلصاق٦ فجائز أن يكون معه استعانة, وجائز لا
١ الصافات/ ٦٤، وانظر: الكشاف ١/ ٣١٢، والبحر المحيط ٣/ ٣٩٢، قال الزجاج: وحذف أحد لأنه مطلوب في كل نفي يدخله الاستثناء نحو: ما قام إلا زيد، ومعناه: ما قام أحد إلا زيد. وانظر المغني ١/ ١٦٦.
٢ أي: البصريون.
٣ انظر: الكتاب ٢/ ٣١٠.
٤ أي: سيبويه. انظر: الكتاب ٢/ ٣٠٨.
٥ انظر: الكتاب ٢/ ٣٠٨, وانظر: المقتضب ٤/ ١٣٩.
٦ قال المبرد في المقتضب ٤/ ١٤٢، وأما الباء فمعناه الإلصاق بالشيء. وذلك قولك: مررت بزيد، والباء ألصقت مرورك بزيد، وكذلك لصقت به. وانظر: المقتضب ١/ ٣٩.