في الوجهين جميعًا كالرفع في الاسم؛ لأن حتى ينبغي١ أن يكون الفعل الأول هو الذي أدى إلى الثاني؛ لأنه لولا سيره لم يدخل, ولولا ما رأى منه في العام الأول ما كان, لا يستطيع أن يكلمه العام ولولا المرضُ ما كان، لا يُرجى, وهذه مسألة تبين لك فيما فرق ما بين النصب والرفع، تقول: كان سيري حتَى أدخلُها, فإذا نصبت كان المعنى: إلى أن أدخلَها, فتكون "حتى" وما عملت فيه خبرَ كان، فإن رفعت ما بعد "حتى" لم يجز أن تقول: كان سيري حتَّى أدخلَها؛ لأنك قد تركت "كانَ" بغير خبرٍ، لأن معنى "حتى" معنى الفاء, فكأنك قلت: كان سيري فأدخلها, فإن زدت في المسألة ما يكون خبرًا "لكانَ" جاز، فقلت: كان سيري سيرًا متعبًا حتى أدخلَها وعلى ذلك قرئ: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} ٢ وحتى يقولُ: مَنْ نصبَ جعلَهُ غايةً، ومَن رفَع جعلَه حالًا٣.
شرح الثاني: وهو الفاء:
اعلم: أن الفاء عاطفة في الفعل كما يعطف في الاسم، كما بينت لك فيما تقدم، فإذا قلت: زيدٌ يقومُ فيتحدث, فقد عطفت فعلًا موجبًا على فعلٍ موجبٍ، وإذا قلت: ما يقومُ فيتحدثَ, فقد عطفت فعلًا منفيًّا على منفيّ، فمتى جئت بالفاء وخالف ما بعدها ما قبلها, لم يجز أن تحمل عليه, فحينئذٍ تحمل الأول على معناه، وينصب الثاني بإضمار "أنْ" وذلك قولك: ما تأتني فتكرمني، وما أزورك فتحدثني, لَم ترد: ما أزورك وما تحدثني، ولو أردت
١ الجملة مضطربة والصواب: لأن حتى ينبغي أن يكون الفعل الأول هو الذي أدى إلى الثاني. انظر الكتاب ١/ ٤١٧.
٢ البقرة: ٢١٤، في سيبويه ١/ ٤١٧: وبلغنا أن مجاهدًا قرأ هذه الآية "حتى بقول الرسول" وهي قراءة أهل الحجاز، وقراءة الرفع في هذه الآية سبعية لنافع، انظر: غيث النفع ١٥، والنشر ٢/ ٢٢٧، والبحر المحيط ٢/ ١٤٠.
٣ الرفع على قوله: فإذا الرسول في حال قول, والنصب على معنى: إلى أن يقول الرسول.