شرح القسم الأول: وهو الأحرف الأربعة:
لم ولمَّا ولا في النهي ولام الأمر؛ أما لَمْ فتدخلُ على الأفعال المضارعة، واللفظُ لفظُ المضارع والمعنى معنى الماضي، تقولُ: لَمْ يقمْ زيدٌ أمسِ, ولَم يقعدْ خالدٌ, وأما "لَمَّا" لَمْ ضمتْ إليها "مَا" وبنيتْ معها فغيرت حالها كما غيرت لو "ما" ونحوها، ألا تَرى أنكَ تقول: لمّا ولا يتبعها شيءٌ، ولا تقول ذلك في "لَمْ" وجوابُ "لمّا" قد فَعلَ، يقول القائل: لمَّا يفعلْ فيقول: قد فعَلَ, ويقول أيضًا للأمر الذي قد وقع لوقوع غيره وتقول: لما جئتَ جئتُ، فيصيرُ ظرفًا١، وأما "لا في النهي" فنحو قولِكَ: لا تقمْ ولا تقعدْ, ولفظ الدعاء لفظُ النهي كما كان كلفظِ الأمر تقول: لا يقطع اللهُ يدكَ، ولا يتعس اللهُ جدك، ولا يبعدُ الله غيرَك ولا في النهي بمعنى واحدٍ؛ لأنك إنَّما تأمره أن يكون ذلك الشيء الموجب منفيا, ألا ترى أنَّكَ إذا قلت: قُمْ إنّما تأمره بأن يكون منه قيام, فإذا نهيت فقلت: لا تَقم فقد أردت منه نفي ذلكَ, فكما أنَّ الأمر يراد به الإِيجاب فكذلك النهي يراد به النفي, وأما لام الأمر فنحو قولك: ليقم زيدٌ وليقعدْ عمرٌو ولتقم يا فلانُ، تأمر بها المخاطب كما تأمرُ الغائب, وقال عز وجل: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} ٢ ويجوز حذف هذه اللام في الشعر وتعمل مضمرة, قال متمم بن نويرة:
علَى مِثْلِ أَصْحَابِ البَعُوضَةِ فَاخْمِشِي ... لَكِ الوَيْلُ حُرَّ الوَجْهِ أو يَبْكِ مَنْ بَكَى٣
أراد: ليبكِ, ولا يجوزُ أن تضمر لَمْ وَلا في ضرورة شاعرٍ, ولو أضمرا لالتبس الأمر بالإِيجاب.
١ الذي عليه الجمهور: أنها حرف وجود لوجود، وهي عند المصنف ظرف بمعنى: حين. وانظر المغني/ ٣١٠.
٢ يونس: ٥٨، وهذه القراءة عشرية، في النشر ٢/ ٢٨٥ روى رويس بالخطاب، وهي قراءة أبي. وانظر الإتحاف/ ٢٥٢, والبحر المحيط ٥/ ١٧٢.
٣ من شواهد سيبويه ١/ ٤٠٩ على جزم "يبكي" على إضمار لام الأمر، ويجوز أن يكون محمولًا على معنى: فاخمشي؛ لأنه في معنى لتخمشي، وهذا أحسن من الأول. والبعوضة هنا: موضع بعينه قتل فيه رجال من قوم الشاعر, فحض على البكاء عليهم، ومعنى اخمشي: اخدشي.
وانظر: المقتضب ٢/ ١٣٢, والضرائر/ ٨٤, وأمالي ابن الشجري ١/ ٣٧٥, والإنصاف/ ٢٧٦, وابن يعيش ٧/ ٦٠, وشروح سقط الزند ٣/ ١١٢٤, ومعجم البلدان "بعوضة"، والمغني/ ٤١١، والخزانة ٣/ ٦٢٩، والسيوطي ٢٠٤.