وكذلك إذا قلت: ليغفر الله لزيدٍ ويقطعُ يَدهُ، لم يجز جزم "يقطعُ" لاختلاف المعنى, ولكن يجوز في جميع ذا الرفع, فيكون لفظه لفظ الخبر, والمعنى الدعاءُ وإذا أسقطت اللام ولا رفعت الفعلَ المضارع فقلت: يغفرُ الله لكَ وغفَر الله لكَ, وقال الله عز وجل: {الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} ١، وقال: {فَلا يُؤْمِنُوا} ٢، وقال الله تبارك وتعالى: {لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ} ٣ باللام. وقال قوم: يجوزُ الدعاءُ بلَنْ، مثل قوله: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} . وقال الشاعر:
"لن تَزالوا كذلكم ثُم لا زلـ ... ـتَ لهم خالدًا خُلُود الجبال"٤
والدعاء "بلَنْ" غير معروف، إنما الأصلُ ما ذكرنا، أن يجيء على لفظ الأمر والنهي، ولكنه قد تجيء أخبار يقصدُ بها الدعاءُ إذا دلت الحالُ على ذلكَ, ألا ترى أنك إذا قلت: "اللهم افعلْ بنَا" لَم يحسنْ أن تأتي إلا بلفظ الأمر, وقد حكى قوم: اللهم قطعت يده وفقئت عينهُ, قال الشاعر:
لا هم ربَّ الناس إن كذبت ليلى ... ..............................٥
وإن قدمتَ الأسماءَ فقلتَ: زيدٌ قطعتْ يده كانَ قبيحًا؛ لأنه يشبهُ الخبرِ وهو جائزٌ إذا لم يشكل, وإذا قلت: زيدٌ ليقطع الله يده كانَ أمثلَ؛ لأنهُ غيرُ
١ يوسف: ٩٢، والآية: قال: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} .
٢ يونس: ٨٨، والآية: {وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} .
٣ يونس: ٨٨، وتكملتها: {رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ} .
٤ الشاهد فيه خروج الفعل بعد "لن" للدعاء، ولا تقع "لن" دعائية خلافًا للمصنف ومن ذهب مذهبه، ودليلهم على ذلك قوله تعالى: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} . إن معناه: فاجعلني لا أكون, والشاهد للأعشى من قصيدة طويلة يمدح فيها الأسود بن المنذر.
وانظر: ارتشاف الضرب/ ٢٤٦, والمغني ١/ ٢٨٤, والتصريح ٢/ ٢٣٠، والسيوطي/ ٦٨٤, وشرح شواهد ابن عقيل للجرجاوي/ ١١, والهمع ٢/ ٤، والدرر اللوامع ٢/ ٣.
٥ لم أتبين هذا البيت؛ لأنه غير واضح في الأصل.