وأنْ يقعد زيدٌ، "فلا" المؤكدة تدخل في النفي لمعنى، تقول: ما جاءني زيدٌ ولا عمرٌو, إذا أردت أنه لم يأتِكَ واحد منهما على الانفرادِ، ولا مع صاحبه لأنك لو قلت: لم يأتني زيدٌ وعمرٌو, وقد أتاك أحدُهما لم تكن كاذبًا "فلا" في قولك: لا يقمْ زيدٌ ولا يقعدْ عمرو, يجوزُ أن تكون التي للنهي وتكون المؤكدة التي تقعُ لما ذكرت لكَ في كل نفيٍ.
واعلم: أن الطلب من النهي بمنزلته من الأمر، يجري على لفظه, وتقول: ائتني أكرمْكَ, وأينَ بيتُك أزرك, وهل تأتيني أعطك وأحسن إليكَ؛ لأنَّ المعنى: فإنَّكَ إنْ تفعلْ أفعلْ, فأما قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ١ ثم قَال: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّه} فإن أبا العباس -رحمه الله- يقول: ليسَ هذا الجواب، ولكنه شرح ما دعوا إليه, والجواب: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ} فإن قال قائلٌ: فَهلا كان الشرح "أن تؤمنوا" لأنه بدلٌ من تجارةٍ.
فالجواب في ذلك: أن الفعل يكون دليلًا على مصدره, فإذا ذكرت ما يدل على الشيء، فهو كذكرِكَ إياهُ, ألا ترى أنهم يقولون: منْ كذبَ كانَ شَرًّا لَهُ يريدون: كانَ الكذبُ. وقال الله عز وجل: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} ٢ لأن المعنى: البخل خير لهم، فدل عليه بقوله: {يَبْخَلُونَ} وقال الشاعر:
أَلا أيُّهذا الزَّاجِرِي أحْضُرُ الوَغَى٣
المعنى: عن أن أحضر الوَغَى، فأنْ والفعل كقولك: عن حضور الوغى، فلما ذكر "أَحضرُ" دل على الحضور, وقد نصبه قومٌ على إضمار "أنْ" وقدموا الرفع٤. فأما الرفع فلأن الفعلَ لا يضمرُ عامله، فإذا حذف رفع
١ الصف: ١٠ و١١.
٢ آل عمران: ١٨٠, ولا يحسبن "بالياء والتاء سبعيتان". انظر الإتحاف/ ١٨٣.
٣ تقدم في ص١٦٨ من هذا الجزء.
٤ انظر المقتضب ٢/ ١٣٥-١٣٦.