فتحدثَني. قال: ليسَ إتيانٌ فحديثٌ١، وإذا قال: لا تفعلْ فتضربْ, قد قال: لا يكنْ فِعلٌ فتضربَ، وهذا تمثيلٌ, وقد فَسرهُ وقواهُ, ودل على أن الثاني المنصوب من الجملة الأولى, وإن كانت الأولى مسألة.
قال: اعلم: أن ما ينتصب على باب الفاء ينتصب على غير معنى واحدٍ وكل ذلك على إضمار "أنْ" إلا أن المعاني مختلفة, كما أن قولك: "يعلمُ اللَّهُ" يرتفع كما يرتفعُ: يذهبُ زيدٌ، وعَلِمَ اللَّهُ, يُفتحُ كما يُفتح: ذَهَب زيدٌ وفيها معنى اليمينِ, قال: فالنصب هنا كأنك قلت: لم يكنْ إتيانٌ فإن تحدثَ والمعنى غير ذلك كما أن معنى: عَلِمَ اللَّهُ لأفعلن غير معنى: رَزقَ اللَّهُ, فإن "تحدث" في اللفظ فمرفوعة "بيكن" لأن المعنى: لم يكن إتيانٌ فيكون حديثٌ٢، فقوله: مرفوعةٌ يدل على أن الفاءَ عاطفةٌ عطفت اسمًا على اسمٍ والكلامُ جملةٌ واحدةٌ، ومن شأن العرب إذا أزالوا الكلام عن أصله إلى شيءٍ آخر غيروا لفظه وحذفوا منه شيئًا, وألزموه موضعًا واحدًا إذا لم يأتوا بحرف يدلُّ على ذلك المعنى, ولم يصرفوه وجعلوه كالمثل ليكون ذلك دليلًا لهم على أنهم خالفوا به أصل الكلام, فقد دل ما قال سيبويه: على أن النفي والنهي إنما وقعا على المصدرين اللذين دل عليهما الفعلان, ويقوي أن الفاء للعطف إذا نصبت ما بعدها, الواو, إن قصتها في النصب وهما للعطف, فإن قال قائلٌ: فَلِمَ جاءوا بالفعلِ بعدَ الفاء وهم يريدون الاسمَ؟ قيل: لأن الظاهر الذي عُطِفَ عليهِ فعلٌ, فكانَ الأحسن أن يعطفَ فعلٌ على فعل ويغير اللفظُ, فيكون ذلكَ التغيير دليلًا على المصدرين ألا تراهم في النفي كما قالوا: لا أبا لكَ فأضافوا إلى المعرفة، أقحموا اللام ليشبه النكرة والمعطوف بالفاء والواو وغيرهما على ما قبله, يجوز أن يكون ما قبله سببًا لَهُ، ويجوز أن لا يكون سببًا لهُ, إذا كان لفظهُ كلفظهِ نحو قولك: يقومُ زيدٌ فيضربُ ويقومُ ويضربُ, وزيدٌ يقوم فيقعد عمرٌو،
١ انظر الكتاب ١/ ٤١٩.
٢ انظر الكتاب ١/ ٤١٩.