قولهم: ارتفع بما في "يكون" يعنونَ أنهم يرفعون بالراجع من الذكر, وهذا خلاف مذهب البصريين؛ لأن البصريين يرفعون بالابتداء, قالوا: فهذا وقتٌ فلا يرتفع عبدُ اللهِ بجملته, فإن أردت: "عبد الله أحسنُ شيءٍ يكونُه" فهو جائز وهو صفة, فإذا قلت: "أحسنُ ما يكون عبد الله قائمًا" جرى مجرى: "ضربي زيدًا قائمًا" وقال محمد بن يزيد١: قول سيبويه: أخطبُ ما يكون الأمير قائمًا, تقديره على ما وضع عليه الباب: أخطبُ ما يكونُ الأمير إذا كانَ قائمًا، كما قال٢: "هذا بُسْرًا أطيبُ منه تمرًا"٣ فإن قال قائل: أحوال زيد إنما هي القيام والقعود ونحو ذلك فكيف لم يكن أخطب ما يكون الأمير بالقيام, أي: "أخطبُ أحوالهِ القيامُ"؟ فالجواب في ذلك: أن "القيامَ" مصدر وحال زيد هي الحال التي يكون فيها من قيام وقعود أو نحوه, فإن ذكرت المصدر أخليته من زيد وغيره, وإنما المصدر لذات الفعل, فأما اسم الفاعل فهو المترجم عن حال الفاعل لما يرجع إليه من الكناية, ولأنه مبني له, وذلك نحو: "جاءني زيدٌ راكبًا" لأن في "راكب" ضمير زيد وهو اسم الفاعل لهذا الفعل, فإن احتج القائل في إجازتنا: أخطب ما يكون الأمير يوم الجمعة٤، فالتقدير: "أخطبُ أيامِ الأميرِ يوم الجمعة" فجعلت الخطبة للأيام على السعة, وقد تقدم تفسير ذلك في الظروف مبينًا, كما قال الله عز وجل: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} ٥ أي: مكركم فيهما. قال محمد٦: وجملة هذا أن الظرف من الزمان متضمن الفاعل لا يخلو منه, وقد يخلو من فعل إلى آخر, وقال في موضع آخر: كان سيبويه يقول في قولهم: أكثرُ ضربي
١ في "ب" رحمه الله.
٢ في "ب" قالوا.
٣ ذكر المبرد في المقتضب ٣/ ٢٥٢ أن الحال يسد مسد الخبر، كقولك: الأمير أخطب ما يكون قائمًا. وانظر الكتاب ١/ ٢٠٠.
٤ انظر الكتاب ١/ ٢٠٠.
٥ سبأ: ٣٣ وانظر المقتضب ٣/ ١٠٥.
٦ "محمد" ساقط في "ب" وهو محمد بن يزيد المبرد, أستاذ المصنف.