الْقَرْيَة} ١، إنما هو أهل القرية، وأهل العيرِ, فما كان من هذا فأنت في تأنيثه مخير ألا ترى إلى قول الله تعالى: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} ٢ فهذا على لفظ الجنس. وقال: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} ٣ على معنى الجماعة, وتقول: هذه حصًى كبيرةٌ وحصًى كثيرةٌ, وكذلك كل ما كان ليس بين جمعه وواحده إلا الهاء, قال الأعشى:
فإنْ تُبْصِرِيني وَلِي لِمَّةٌ ... فإنَّ الحَوَادِثَ أَودَى بِهَا٤
لأن الحوادث جمع حَدثٍ, والحدثُ مصدر والمصدر واحدهُ وجمعه يؤولان إلى معنى واحد, وكذلك قول عامر بن حريم الطائي:
فَلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا ... ولا أَرْضَ أَبْقَلَ إبقَالها٥
لأن أرضًا ومكانًا سواءٌ, ولو قال على هذا: "إنَّ زينبَ قامَ" لم يجز لأن
١ يوسف: ٨٢, وانظر الكتاب ١/ ١٠٨ و٢/ ٢٥.
٢ القمر: ٢٠.
٣ الحاقة: ٧، وانظر أمالي الشجري ٨٣١، والبحر المحيط ١/ ٨٣, وشرح الكافية للرضي ٢/ ١٥٢.
٤ من شواهد سيبويه ١/ ٢٣٩ على حذف التاء من "أودت" ضرورة، ودعاه إلى حذفها أن القافية مردفة بالألف، وسوغ له حذفها أن تأنيث الحوادث غير حقيقي، وهي في معنى الحدثان. ومعنى فأودى بها: ذهب ببهجتها وحسنها, واللمة: الشعرة تلم بالمنكب، وتبدلها: تغيرها من السواد إلى البياض. ورواية الديوان:
فإن تعهديني ولي لمة ... فإن الحوادث ...
وانظر: معاني القرآن ١/ ١٢٨, وأمالي ابن الشجري ١/ ٢٢٧, والإنصاف ٤١٠, والغيث المنسجم ٢/ ٤٤٦, وابن يعيش ٥/ ٩٥ و٩/ ٦ والمسلسل في غريب لغة العرب ٢٥٠, والديوان ١٧١.
٥ من شواهد الكتاب ١/ ٢٤٠ على حذف التاء من "أبقلت" لأن الأرض بمعنى المكان، فكأنه قال: ولا مكان أبقل إبقالها.
وصف أرضًا مخصبة لكثرة ما نزل بها من الغيث, والودق: المطر، والمزنة: السحابة، ويروى: أبقلت إبقالها, بتخفيف الهمزة ولا ضرورة فيه على هذا.
وانظر: الخصائص ٢/ ٤١١, والكامل ٤٠٥, ومعاني القرآن ١/ ١٢٧, والخزانة ١/ ٢١.