ولم يكن له نظير في زمانه من حيث سعة علمه ودأبه على العمل
ولم يزل طول عمره مواظبا على صلاة الجماعة ملازما لقراءة القران مكثرا من النوافل والاذكار والتسبيح أناء الليل وأطراف النهار وكان يختم كل جمعة ولم ير إلا في اشتغال يحاسب نفسه على ساعة تذهب في غير طاعة (١)
وبقي منكبا على التأليف والتصنيف والتدريس وكان الملك العادل محمود بن زنكي نور الدين قد بنى له دار الحديث النورية فدرس بها إلى حين وفاته غير وفاته ملتفت إلى غيرها ولا متطلع إلى زخرف الدنيا ولا ناظر إلى محاسن دمشق ونزهها بل لم يزل مواظبا على خدمة السنة والتعبد باختلاف أنواعه: صلاة وصياما واعتكافا وصدقة ونشر علم وتشييع جنائز وصلات رحم إلى حين قبض (٢)
توفي في رجب سنة احدى وسبعين وخمسمئة ليلة الاثنين حادي عشر الشهر وصلى عليه القطب النيسابوري وحضره صلاح الدين ودفن عند أبيه بمقبرة باب الصغير (٣)
قال العماد (٤) : وكان الغيث قد احتبس في هذه السنة فدر وسح عند ارتفاع نعشه فكأن السماء بكت عليه بدمع وبله وطشه
وقال الحسين بن عبد الله بن رواحة يرثي أبا القاسم بن عساكر (٥) : ذرا السعي في نيل العلى والفضائل * مضى من إليه كان شد الرواحل وقولا لساري البرق إني نعيته * بنار أسى أو دمع سحب هو اطل وما كان إلا البحر غار ومن يرد * سواحله لم يلق غير جداول وهبكم رويتم علمه عن رواته * وليس عوالي صحبه بنوازل فقد فاتكم نور الهدى بوفاته * وعز التقى منه ونجح الوسائل خلت سنة المختار من ذب ناصر * فأقرب ما نخشاه بدعة خاذل
(١) طبقات الشافعية للسبكي: ٧ / ٢١٧، وسير اعلام: ٢٠ / ٥٦٢
(٢) طبقات الشافعية للسبكي: ٧ / ٢٣٣
(٣) سير الاعلام: ٢٠ / ٥٧٠، طبقات السبكي: ٧ / ٢٣٣، وفيات الاعيان ٣ / ٣١١، معجم الادباء: ١٣ / ٧٥
(٤) معجم الادباء: ١٣ / ٧٥
(٥) القصيدة في مجعم الادباء: ١٠ / ٤٨ - ٥٥
في ترجمة الحسين بن عبد الله بن رواحة وبعضها في سير الاعلام: ٢٠ / ٥٦٨