قال معاوية يوما لعبد الله بن عباس: إنه ضربتني البارحة أمواج القرآن في آيتين لم أعرفت تأويلهما، ففزعت إليك، فقال ابن عباس: ما هما؟ فقال معاوية: قول الله عز وجل:
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ
سورة الأنبياء، الآية: ٨٧ فقلت: يونس رسول الله ظن أنه بقوته إذا أراده، ما ظن هذا مؤمن، وقول الله عز وجل: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا
سورة يوسف، الآية: ١١٠ فقلت:
سبحان الله! كيف يكون هذا أن يستيئس الرسل من نصر الله، أو يظنوا أنه كذبهم ما وعدهم! إن لهاتين الآيتين تأويلا ما نعلمه. قال ابن عباس: أما يونس عليه السلام فظن أن خطيئته لم تبلغ أن يقدّر الله عليه تلك البلية، ولم يشكّ أن الله عز وجل إذا أراده قدر عليه. وأما قوله: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم، وظن من أعطاهم الرضا في العلانية أن يكذبهم في السريرة، وذلك أطول البلاء عليهم، ولم يستيئس الرسل من نصر الله، ولم يظنوا أنهم كذبهم ما وعدهم. فقال معاوية:
فرّجت عني فرّج الله عنك. قال ابن عباس: فإن رجلا قرأ علي آية المحيض، قول الله عز وجل: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ
سورة البقرة، الآية: ٢٢٢ إلى آخر الآية. يعني بالماء فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ
يقول:
طاهرات غير حيّض، فقال معاوية: إن قريشا لتغبط بك لا بل جميع العرب، لا بل جميع أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم، ولولا خفتك مع علي عطفتني عليك العواطف، فقال أيمن بن خريم:
ما كان يعلم هذا العلم من أحد بعد النبي سوى الحبر ابن عبّاس
مستنبط العلم غضّا من معادنه هذا اليقين وما بالحقّ من باس
دينوا بقول ابن عباس وحكمته إن المنافي «١» فيكم عالم الناس
كالقطب قطب «٢» الرحا في كلّ حادثة أو كالحمام فمنه موضع الراس
من ذا يفرّج عنكم كلّ معضلة إن صار رهنا مقيما بين أرماس؟
قال ابن أبي مليكة: كتب ابن هرقل إلى معاوية يسأله عن ثلاث خلال: ما مكان إذا