أهل القبور أتيتكم أتجسس ... فإذا جماعتكم أصم أخرس
إن امرءا ذكر المعاد مخافة ... لأحظ ممن لم يخفه وأكيس
يا أيها الرجل الحريص أما ترى ... أعلام عمرك كل يوم تدرس
بك لا أبالك مذ خلقت موكلا ... ملك يعد عليك ما تتنفس
فإذا انقضى الأجل الذي أجلته ... ومضى فمالك بعد ذلك محبس
قال أبو عيسى: سمعت شيوخنا يقولون: إن ابن آدم يتنفس في كل يوم وليلة أربعة وعشرين ألف نفس في كل ساعة ألف نفس فيكون خروج روحه مع آخر نفس قدر له.
اخبرنا نفطويه قال حدثنا إسحاق بن الحسين بن ميمون أبو يعقوب الحربي قال حدثنا الحسين بن محمد عن شيبان عن قتادة في قوله تعالى: (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات..... الآية) قال: افترق القوم في أديانهم عند الممات وعند المصير. وقال قتادة: (أو يأخذهم على تخوف) قال: على تنقص.
قال أبو القاسم: وأصحابنا يقولون: إن الأخفش سعيد بن مسعدة كان ينشد لهذا الحرف: البسيط
تَخَوَّفَ السيرُ منها تامكاً فًرٍدا ... كما تَخَوَّفَ عودَ النبعةِ السَّفَنُ
وعلى هذا التأويل أهل اللغة والمفسرون إلا ما روى عن الضحاك فإنه كان يقول: تأويله أنه يبلي قومها فيخوف بهم آخرين.
اخبرنا ابن شقير النحوي والأخفش قالا اخبرنا ثعلب قال: اجتمع الكسائي الأصمعي بحضرة الرشيد وكانا ملازمين له يقيمان بإقامته ويظعنان بظعنه، فأنشد الكسائي: البسيط
أنى جزوا عامرا سوأى بفعلهم ... أم كيف يجزونني السوأى من الحسن
أم كيفَ ينفعُ ما تُعطي العَلوقُ بِهِ ... رِئْمانَ أنْفٍ إذا ما ضُنَّ باللَّبَنِ
فقال الأصمعي: إنما هو رئمان بالنصب، فقال له الكسائي: اسكت ما أنت وهذا يجوز رئمانُ ورئمانَ ورئمانِ أنفه بالرفع والنصب والخفض. أما الرفع فعلى الرد على ما لأنها في موضع رفع بينفع فيصير التقدير: أم كيف ينفع رئمان انف. والنصب بتعطي، والخفض على الرد على الهاء التي في به. قال: فسكت الأصمعي ولم يكن له علم بالعربية وإنما كان صاحب لغة. ومعنى هذا البيت: انه مثل يضرب لمن يعدك بلسانه كل جميل ولا يفعل منه شيئا لأن قلبه منطو على ضده. كأنه قيل له: كيف ينفعني قولك الجميل إذا كنت لا تفي به. وأصله أن العلوق هي الناقة التي تفقد ولدها بنحر أو بموت فيسلخ جلده ويحشى تبنا أو حشيشا ويقدم إليها لترأمه أفي تعطف عليه ويدر لبنها فينتفع بها، فهي تنتش بأنفها وينكره قلبها، فتعطف عليه ولا ترسل اللبن. شبن هذا بذاك.
اخبرنا ابن دريد عن العكلي عن أبي عبيدة قال: أجتاز الاسكندر بمدينة قد ملكها سبعة أملاك بادوا كلهم ونسلهم فسأل: هل بقي من نسلهم أحد؟ قالوا: رجل واحد يأوى إلى المقابر، فأحضره فقال: ما حملك على ملازمة القبور؟ قال: أردت إن أعزل عظام الملوك عن عظام عبيدهم فوجدتها سواء. قال: هل لك إن تتبعني فأحيي بك شرف أيامك إن كانت لك همة؟ قال: إن همتي لكبيرة إن كان عندك بغيتي؟ قال: وما بغيتك؟ قال: حياة لا موت معها، وشباب لا هرم معه، وسرور بني بغير مكروه ولا يخاف معه فقر. قال: ما ذاك إلي. قال: فامض لشأنك ودعني أطلبه. فقال الاسكندر: هذا أحكم من رأيت.
اخبرنا ابن رستم الطبري قال: حضرت مجلس المازني وقد قيل له: