وتقول العرب: فلان من شرطاته لا يعرف لطاته من لهاته. وبعضهم يقول: لا يعرف قطاته من لطاته. والقطاة: الدّبر، واللطّاة: الجبهة. والبطيط: العجب، والأطيط: الجوع، والأطيط أيضا: صوت تمدد النطّع وأشباهه. والحضيرة: الجماعة القليلة يغزون، وينشد: الكامل
يَرِدُ المياهَ حَضِيرََةَ وَنَفِيضَة ... وِرْدَ القَطاةِ إذا اسْمَأَلَّ التبُعَّ
والتبع: الظل. واسمألّ: تقلّص.
اخبرنا أبو جعفر احمد بن محمد بن رستم الطبري قال اخبرنا المازني قال: كنت عند الأخفش ومعنا الرياشي فقال الأخفش: أن مذ إذا رفع بها. فهي اسم مبتدأ وما بعدها خبر كقولك: ما رأيته منذ يومان. وإذا خفض بها فهي حرف جر معنى ليس باسم كقولك: ما رأيته مذ اليوم. فقال الرياشي: فلم لا تكون في الموضعين اسما؟ فقد نرى الأسماء تنصب وتخفض كقولنا: هذا ضارب زيد أمس. فلم لا تكون مذ بهذه المنزلة؟ فلم يأت الأخفش بمقنع. فقلت أنا: لا تشبه مذ ما ذكرت من الأسماء لأنا لم نر الأسماء هكذا تلزم موضعا واحدا إلا إذا ضارعت حروف المعاني نحو أين وكيف وكذلك مذ هي مضارعة الحروف فلزمت موضعا واحدا.
قال أبو جعفر: فقال أبو يعلى بن أبي زرعة للمازني: أفرأيت حرف المعنى يعمل عملين متضادين؟ قال: نعم كقولك قام القوم حاشا زيد وحاشا زيدا، وعلى زيد ثوب، وعلا زيد الجبل. فيكون مرة حرفا ومرة فعلا بلفظ واحد. قال أبو القاسم: هذا الذي فاله أبو عثمان صحيح إلا أنه كان يلزمه أن يبين لأيّ حرف ضارعت مذ؟ كما أنا قد علمنا أن متى وكيف مضارعان ألف الاستفهام؟ وأن يبين كيف وجه الرفع بمذ وأيّ شيء العامل فيها؟.
والقول في ذلك أن مذ إذا خفض بها في قولك: ما رأيته مذ اليوم مضارعة من لأن من لابتداء الغايات ومذ إذا كأن معها النون فهي لابتداء الغايات في الزمان خاصة فوقعت مذ بمعنى منذ في هذا الموضع. ومنذ بمنزلة من، فقد بان تضارعهما.
وأماّ القول في الرفع بها في قولك: ما رأيته مذ يومان، فأن هذا لا يصحّ إلاّ من كلامين لأنك أن جعلت الرؤية واقعة على مذ انقطعت مما بعدها ولم يكن له رافع. ولكنه على تقدير قولك: ما رأيته، ثم تقول للقائل: كم مدة ذلك؟ فيقول: يومان، أي مدة ذلك يومان، فرفعه بالابتداء والخبر.
اخبرنا نفطويه قال قال ثعلب: سألني بعض أصحابنا عن قول الشاعر: الرجز
جاءت به مرمّدا ماملاّ ... مانيّ ألّ خمّ حين ألي
فلم أدر ما يقول، فصرت إلى ابن الأعرابي فسألته عنه ففّسره لي فقال: هذا يصف قرصا خبزته امرأة فلم تنضجه، فقال: جاءت به مرمّدا أي ملوّثا بالرماد. ماملّ في الملّة وهو الجمر والرماد الحار. ثم قال: ماني ألّ: وما زائدة كأنه قال ني، والألّ: وجهه، يعني وجه القرص، وقوله خمّ: يعني تغيرّ حين ألى أي حين أبطأ في النضج، يقال ألى الرجل: إذا توانى وأبطأ في العمل، وأنشد: الوافر
فما إلى بنيّ ولا أساءوا
أنشدنا الأخفش لأبي نواس الطويل
ودار ندامى عطلّوها وأدلجوا ... بها أثر منهم جديد ودارس
مساحب من جر الزقاق على الثرى ... وأضغاث ريحان جنيّ ويابس
وقفت بها صحبي فجدّدت عهدهم ... وأني على أمثال تلك لحابس
ولم أدر ماهم غير ما شهدت به ... بشرفىّ ساباط الديار البسابس
أقمنا بها يوما ويوما وثالثها ... ويوما له يوم الترحل خامس
تدار علينا الراح في عسجدية ... حبتها بأنواع التصاوير فارس
قرارتها كسرى وفي جنباتها ... مها تدريها بالقسيّ الفوارس
فللخمر ما زرّت عليه جيوبها ... وللماء ما دارت عليه القلانس
قال أبو القاسم: الدار: منزل القوم مبنية كانت أو غير مبنية. ويقال: