اختاره أنا ولا أجيز غيره أن أقول في تصغير أحوى أحيّ يا فتى، وأحذف الياء الأخيرة وهي اللام ولا أنوّن لأن الزيادة في أوّله كزيادة يجد ويضع، ولأني قد رأيتهم إذا اجتمعت الياءات حذفوا تخفيفا في مثل قصي وغني إذا نسبوا إليهما وإلى ما كان مثلهما ووجدتهم أيضا يحذفون اللامات ويعربون العينات في مثل يد ودم وما أشبههما فأحذف أنا وأعرب ولا أنوّن.
مسألة
قال سيبويه في كتابه: " ما أغفله عنك شيئا " أي دع الشكّ. واختلف العلماء في مراد سيبويه في هذه المسألة وشرحها، فقال الأخفش سعيد بن سعدة: أنا مذ عقلت أسأل عن هذا فلم أجد من يعرفه على الحقيقة. وكان يونس يقول: ذهب من كان يعرف هذا، والسبب في هذا هو أن هذا كلام جرى كالمثل وفيه حذف قل استعماله مظهرا فمضى من كان يعرفه.
وقال المازني: غرض سيبويه في هذا بينّ لأنه قال " ما أغفله عنك شيئا " أي دع الشك. فالناصب لشيء الفعل المذكور وهو أغفل تقديره عنك فنصب غفلة على المصدر، ثم يضع الشيء مكان المصدر.
وقال الأخفش: ليس هذا الكلام بتعجب إنما معنى الكلام " الذي أغفله عنك شيئا " أي قليلا أمر من الأمور فيكون خبر المبتدأ مضمرا، ويكون ما بتأويل الذي على الخبر. ثم يقبل على صاحب له فيقول له: دع عنك الشك مما خبرتك به لأنه حق.
وكان الزجاج يقول: لم أر من هذه التفاسير شيئا يليق بالمسألة وإنما شرحها على الحقيقة على ما شرحه لنا أبو العباس المبرد، قال: تقدير هذا الكلام أن يكون رجل له صديق مناصح له، وله عدو مكاشح له ومظهر له الموده نفاقا ومسر العداوة فقال له صديقه: إن فلانا عدوّ لك. فقال: ما هو بعدو لي ولكنه صديق. فقال له صديقه في الحقيقة: هيهات ليس الأمر كما قدرت وانه لعدوّ عليك. ثم أقبل عليه فقال: ما أغفله عنك. أي إن عدوّك غافل عنك ولو علم أنّك هكذا واثق به لأهلكك. ثم قال له بعد ذلك شيئا فنصبه بفعل مضمر كأنه قال: فكر شيئا وانظر شيئا. أي انك لو فكرت أدنى فكر ونظرت أدنى نظر بان لك انه عدو لك ولم تركن إليه بعد هذا. وشيء يستعمل موضع ما يقل مقداره جدا، كقولك: هذا الدينار يزيد قيراطا وحبتين. فإذا كان مقدار الزيادة يسيرا جدا قيل: هذا الدينار يزيد شيئا. وكذلك وضع الرجل الشيء في مسألته مكان أدنى نظر وفكر. فغمض هذا الكلام لما قلّ استعمال هذا المضمر الذي ذكرناه في كلامهم. فهذا هو معنى قول سيبويه يعقب: ما أغفله عنك شيئا. أي دع الشك؟، هذا واضح بينّ وهو معنى المسألة في الحقيقة وهو من المضمرات التي تخفي على من لم يسمعها مظهرة، ألا ترى أنّ الناصب لشيء ليس المذكور في أول الكلام وإنّما ذكر سيبويه هذا الكلام في باب لولا والمضمر بعد هذا. ونظيره قول العرب: كان ذلك حينئذ الآن. ألا ترى إن حينئذ زمان قد مضى، والآن زمان أنت فيه. وإنما معنى الكلام: كان ذلك حينئذ واستمع، أنت إليّ الآن. أو لا ترى ان المضمر الذي يتصل به الآن غير الكلام المذكور أولا، وكذلك المضمر في باب لولا لأنك إذا قلت: لولا زيد لأكرمتك. إنما ترفع زيدا بالابتداء ولا خبر له في الظاهر وإنّما الخبر مقدر مضمر، والتقدير لولا زيد أهابه وأجلّه أو ما أشبه ذلك، لأكرمتك، فاللام جواب والخبر مضمر على ما ذكرت لك، ولابد من هذا الإضمار وإلاّ كان الكلام غير مستقيم.
والمضمر في كلام العرب أكثر من أن يحصى إلاّ انه يحيط به أصول ثلاثة، مضمر يجوز إظهاره وإضماره كقولك لرجل رأيته يضرب رجلا: الرأس، تريد: اضرب الرأس. أو رأيت قوما يتوقعون الهلال ثم كبرّوا فقلت: الهلال تريد: أبصروا الهلال، أو ترى رجلا في زيّ سفر فقلت: مكة أي وربي أي تريد مكة. وان شئت أظهرت هذا المضمر وان شئت أضمرته. وقال الأصمعي: قال رجل من بني تميم يوم جبلة واستقتلهم بعير أعور: يا بني تميم أأعور وذا ناب؟ على جهة التطيرّ. قال: ثم قلت لبعض الأعراب: أتعرفه بمكان كذا وكذا أو جذا، وهو موضع يمتلئ الماء، فقال: نعم وجاذا، أي أعرت به وجاذا.
ومضمر لا يجوز إظهاره وهو قولك: أزيدا ضربته؟، أعبد الله أكرمته؟ وما أشبه ذلك، وهو منصوب بفعل لا يظهر. قال الشاعر: الوافر
أثعلبةَ الفَوارسِ أو رياحا ... عَدَلتَ بهم طهَيةََّ والخِشابا
وكذلك قول الآخر: المنسرح
أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا