وإن قلنا: لا يلزمه استعماله، جعل كما لو صبه، ولا يلزمه إعادة الصلوات. فإن قيل: أليس إنه إذا اجتهد في القبلة، فأدى اجتهاده إلى جهة، فصلى لها، ثم أدي اجتهاده في الصلاة الثانية إلى جهة أخرى، فإنه يصلي إلى الجهة الثانية، وفيه نقض الاجتهاد.
قلنا: ليس هذا كالقبلة، لأن الصلوات تجوز من غير جهة القبلة في الجملة، أما لعذر المسابقة أو السفر وغيره فيجوز أن يؤمر له بالصلاة إلى تلك الجهة.
أما الصلاة بالماء النجس قط لا تجوز في حال من الأحوال، فلهذا لم يؤمر بذلك ثانيًا.
وأما إذا كان معه إناءان: أحدهما طاهر، والآخر نجس، واشتبه عليه ذلك. ومعه إناء آخر طاهر بيقين هل يجوز له التحري في الإناءين، أم لا؟
فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز، كما لا يجوز للقاضي أن يقضي في الحادثة بالاجتهاد مع وجود النص.
والثاني: يجوز، والفرق بينهما أن هناك وجد النص في محل الاجتهاد، وهي الحادثة، فقلنا: بأنه لا يجوز الحكم به، وها هنا لم يوجد النص في محل الاجتهاد، ولأن أحدهما ممتاز عن الآخر صورة ومحلا، فقلنا: بأنه جائز.
فإما إذا كان معه إناءان: أحدهما ماء، والآخر بول، واشتبه عليه ذلك، هل يجوز له التحرى فيه أم لا؟
إن قلنا: بأنه يستعمل بغلبة الظن، ها هنا لا يجوز.
وإن قلنا: انه يستعمل بالدليل، ها هنا وجهان:
أحدهما: يجوز.
والثاني: لا يجوز، لأن البول ليس له أصل في الطهارة يمكنه رده إليه بالتحري بخلاف الماء، لأن أصله على الطهارة، فيمكنه رده إليه بالتحري، إذا شك في طهارته، ويتسمك فيه بالأصل.