الْمُوصِي كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغ وَغَيْرِهِمَا (فَإِذَا قَالَ لَهُ أَوْصِ بِتَرِكَتِي مَنْ شِئْت) أَوْ فُلَانًا كَمَا فُهِمَ بِالْأُولَى فَأَوْصَى بِهَا (صَحَّ) لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُوصِيَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي الْوِصَايَةِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ وَلِأَنَّ نَظَرَهُ لِلْأَطْفَالِ بَعْدَ الْمَوْتِ يُتَّبَعُ بِدَلِيلِ اتِّبَاعِ شَرْطِهِ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَى أَنْ يَبْلُغَ أَمْنَهُ وَفِي نَظَائِرِهِ (وَلَوْ لَمْ يُضِفْ التَّرِكَةَ إلَى نَفْسِهِ) بِأَنْ قَالَ: أَوْصِ مَنْ شِئْتَ فَأَوْصَى شَخْصًا (لَمْ يَصِحُّ) الْإِيصَاءُ.
(وَلَوْ قَالَ) لِوَصِيِّهِ (أَوْصَيْتُ إلَى مَنْ أَوْصَيْتُ إلَيْهِ إنْ مِتَّ أَنْت) أَوْ إذَا مِتَّ أَنْت فَوَصِيَّتُكَ وَصِيَّتِي (لَمْ يَصِحُّ) لِأَنَّ الْمُوصَى إلَيْهِ مَجْهُولٌ (وَالْمَنْصُوبُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ يُطَالِبُ الْوَرَثَةَ بِقَضَائِهِ أَوْ تَسْلِيمِ التَّرِكَةِ) لِتُبَاعَ فِي الدَّيْنِ تَبْرِئَةً لِذِمَّةِ الْمُوصِي، وَكَقَضَاءِ الدَّيْنِ قَضَاءُ الْوَصَايَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (فَإِنْ عَيَّنَ) الْمُوصِي (لِغَرِيمِهِ عَبْدًا) عِوَضًا عَنْ دَيْنِهِ (تَعَيَّنَ) لَهُ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ إمْسَاكُهُ؛ لِأَنَّ فِي أَعْيَانِ الْأَمْوَالِ أَغْرَاضًا (وَكَذَا لَوْ أَمَرَ بِبَيْعِهِ لَهُ) أَيْ غَرِيمُهُ أَيْ لِأَجَلِهِ بِأَنْ قَالَ بِعْهُ وَاقْضِ الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ فَيَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَطْيَبُ وَأَبْعَدُ عَنْ الشُّبْهَةِ.
(فَإِنْ لَمْ يُوصِ) الْأَبُ أَحَدًا (فَالْجَدُّ أَوْلَى مِنْ الْحَاكِمِ) بِقَضَاءِ الدُّيُونِ وَأَمْرُ الْأَوْلَادِ وَنَحْوِهِمَا (إلَّا فِي تَنْفِيذِ الْوَصَايَا) فَالْحَاكِمُ أَوْلَى وَلَمَّا ذَكَرَ الْأَصْلُ ذَلِكَ قَالَ: كَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّ قَوْلَ الْبَغَوِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ الْجَدُّ أَوْلَى بِقَضَاءِ الدُّيُونِ وَهُمْ مِنْهُمْ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ الَّذِي يَسْتَمِدُّ مِنْهُ الْبَغَوِيّ أَنَّ ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ دُونَ الْجَدِّ. .
(وَلِلْأَبِ الْوَصِيَّةُ إلَى غَيْرِ الْجَدِّ) فِي حَيَاتِهِ وَهُوَ بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ وَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ (إلَّا فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ) أَوْ نَحْوِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَلِيٌّ شَرْعِيٌّ فَلَيْسَ لَهُ نَقْلُ الْوِلَايَةِ عَنْهُ كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَلَوْ كَانَ الْجَدُّ غَائِبًا وَأَرَادَ الْأَبُ الْإِيصَاءَ بِالتَّصَرُّفِ عَلَيْهِمْ إلَى حُضُورِهِ فَقِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي تَعْلِيقِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْبُلُوغِ الْجَوَازُ وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ لَا تَمْنَعُ حَقَّ الْوِلَايَةِ.
(الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمُوصَى فِيهِ وَهُوَ التَّصَرُّفَاتُ الْمَالِيَّةُ الْمُبَاحَةُ كَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا وَقَضَاءِ الْحُقُوقِ وَلَوْ أَعْيَانًا) كَغُصُوبٍ وَوَدَائِعَ (وَأُمُورُ الْأَطْفَالِ) الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَمْوَالِهِمْ (لَا تَزْوِيجُهُمْ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَتَغَيَّرُ بِلُحُوقِ الْعَارِ بِهِمْ فَيَتَوَلَّاهُ مِنْ يَعْتَنِي بِدَفْعِ الْعَارِ عَنْهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمَنْ لَهُ النَّظَرُ الْعَامُ وَهُوَ الْإِمَامُ وَلِأَنَّهُمْ إنْ كَانُوا بَالِغِينَ لَمْ يَجُزْ الْإِيصَاءُ فِي حَقِّهِمْ أَوْ صِغَارًا فَغَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يُزَوِّجُهُمْ وَلَا تَزْوِيجُ أَرِقَّائِهِمْ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ تَزْوِيجِهِمْ تَبَعٌ لِلْوِلَايَةِ عَلَى تَزْوِيجِ مَالِكِيهِمْ فَإِذَا امْتَنَعَ الْمَتْبُوعُ فَالتَّابِعُ أَوْلَى.
الْوَصِيَّةُ فِي مَعْصِيَةِ
(وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (فِي مَعْصِيَةِ) كَعِمَارَةِ بَيْعِ التَّعَبُّدِ وَكَنَائِسِهِ لِعَدَمِ الْإِبَاحَةِ وَفِي نُسْخَةٍ فِي بَعْدِ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَهُوَ يُنَاسِبُهَا مَا هُنَا لَكِنْ الْأُولَى أَوْلَى وَأَوْفَقُ بِكَلَامِ الْأَصْلِ.
(الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) كَمَا فِي الْوَكَالَةِ (كَأَوْصَيْتُ إلَيْكَ أَوْ فَوَّضْتُ) إلَيْكَ (أَوْ أَقَمْتُكَ مَقَامِي وَفِي الِاكْتِفَاءِ) مِنْ الْوَصِيِّ (بِالْعَمَلِ قَبُولًا) أَيْ عَنْ
ــ
حاشية الرملي الكبير
قَوْلُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ إلَخْ) وَهُوَ أَوْجَهُ مِمَّا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْبَغَوِيّ مِنْ تَصْحِيحِ أَنَّهُ لَا يُوصِي أَصْلًا إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ أَنْ يُوصِيَ عَنْهُ س لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا فَهِمَهُ كَابْنِ الْمُقْرِي مِنْ كَلَامِهِمَا (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُضِفْ التَّرِكَةَ إلَى نَفْسِهِ لَمْ يَصِحُّ الْإِيصَاءُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ: لَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ حَتَّى يَقُولَ أَوْصِ عَنِّي عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ أَوْصَى عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرهُ فِي الْعَزِيزِ وَالرَّوْضَةِ. اهـ. وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ كَالْعَزِيزِ لَوْ أَطْلَقَ فَقَالَ أَوْصِ إلَى مَنْ شِئْتَ أَوْ إلَى فُلَانٍ وَلَمْ يُضِفْ إلَى نَفْسِهِ فَهَلْ يَحْمِلُ عَلَى الْوِصَايَةِ عَنْهُ حَتَّى يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ أَوْ يَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا يُوصِي عَنْهُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَقَالَ: الْأَصَحُّ الثَّانِي انْتَهَتْ.
وَقَدْ فَهِمَ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِمَا وَلَمْ يُضِفْ إلَى نَفْسِهِ أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يُضِفْ الْإِيصَاءَ إلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ عَنِّي فَبَنَى عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرهُ وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا قَبْلَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ كَلَامِ الْعَزِيزِ وَالرَّوْضَةِ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ مَعْنَاهَا لَوْ أَطْلَقَ الْإِيصَاءَ فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِإِضَافَةِ الْمُوصَى فِيهِ إلَى نَفْسِهِ كَأَنْ يَقُولَ أَوْصِ بِتَرِكَتِي أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَا مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَقْيِيدِهِ الْإِيصَاءَ بِقَوْلِهِ عَنِّي قَالَ فِي الْعَزِيزِ قَبْلَ ذَلِكَ لَوْ قَالَ أُوصِ بِتَرِكَتِي إلَى مَنْ شِئْتَ فَأَوْصَى بِهَا إلَى رَجُلٍ فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّ فِي صِحَّةِ الْوِصَايَةِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْمَنْعُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ: وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْغَزَالِيّ الصِّحَّةُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ ثُمَّ قَالَ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ وَحَمَلَ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ الرَّدَّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ قَالَ: لَوْ أَوْصَى الْوَصِيُّ فِي أَمَرَ نَفْسِهِ كَانَ وَصِيُّهُ وَصِيًّا لِلْمُوصِي فَقَالَ: لَا يَكُونُ كَذَلِكَ حَتَّى يَتَعَرَّضَ لِتَرِكَةِ الْمُوصِي وَأَمْرَ أَطْفَالَهُ.
هَذَا كَلَامُ الْعَزِيزِ وَهُوَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَلَمْ يُضِفْ إلَى نَفْسِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ بَلْ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَذِنَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ عَنْ نَفْسِهِ أَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ عَنْ الْمُوصِي فَيَصِحُّ قَطْعًا حَكَاهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيِّ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّ.
(قَوْلَهُ بِأَنْ قَالَ بِعْهُ وَاقْضِ الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ إلَخْ) وَبِعْهُ وَأَخْرِجْ كَفَنِي مِنْ ثَمَنِهِ تَعَيَّنَ فَإِنْ اقْتَرَضَ ثَمَنَ الْكَفَنِ وَاشْتَرَاهُ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُ الْعَبْدِ لِوَفَاءِ الْقَرْضِ بَلْ يُوفِيهِ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ اشْتَرَى كَفَنًا وَنَوَاهُ لِلْمَيِّتِ فَلَهُ الْبَيْعُ لِلْوَفَاءِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمَيِّتَ فَلَا كَالِاقْتِرَاضِ وَلَوْ قَالَ اجْعَلْ كَفَنِي مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَلَهُ الشِّرَاءُ بِعَيْنِهَا أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَيَقْضِي مِنْهَا وَلَوْ أَوْصَى بِتَجْهِيزِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَالًا فَأَرَادَ الْوَارِثُ بَذْلَهُ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَمْنَعْهُ الْوَصِيُّ فَإِنْ أَرَادَ بَيْعَ بَعْضِ التَّرِكَةِ لِذَلِكَ وَأَرَادَ الْوَصِيُّ أَنْ يَتَعَاطَاهُ فَأَيُّهُمَا أَحَقُّ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْوَارِثَ أَحَقُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ وَهُوَ رَشِيدٌ وَلَوْ قَالَ تَقَاضَوْا دَيْنِي وَكَانَ وَارِثُهُ غَائِبًا أَقَامَ الْقَاضِي مَنْ يَتَقَاضَاهُ وَيَحْفَظُهُ لِلْوَارِثِ وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ فَهَلْ يُمْنَعُ الْقَاضِي مِنْهُ أَوْ يَلْزَمُهُ إذَا طَالَتْ الْغَيْبَةُ وَخِيفَ الضَّيَاعُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لُزُومُهُ
(قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ لَا تَمْنَعُ حَقَّ الْوِلَايَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ عَلَّقَ الْأَبُ الْوِصَايَةَ بِمَوْتِ الْجَدِّ فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهَا فَلَوْ أَوْصَى الْجَدُّ أَيْضًا قُدِّمَ وَصِيُّ الْأَبِ
(قَوْلُهُ وَالْقَبُولُ) وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ تَنْفِيذُ الْوَصَايَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْ يَكُونُ هُنَاكَ مَا تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَيْهِ أَوْ يَعْرِضُهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا عِنْدَهُ وَكَتَبَ أَيْضًا وَفِي قَبُولِ الْإِيصَاءِ