اسْتَفَاضَ) بَيْنَ النَّاسِ (أَنَّهُ) أَيْ أَنَّ فُلَانًا هُوَ (الْقَاتِلُ أَوْ رُئِيَ مِنْ بَعِيدٍ) يُحَرِّكُ يَدَهُ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ يَضْرِبُ (فَوُجِدَ مَكَانَهُ قَتِيلٌ أَوْ شَهِدَ عَدْلٌ) ، وَلَوْ قَبْلَ الدَّعْوَى (وَكَذَا امْرَأَتَانِ أَوْ عَبْدَانِ أَوْ صَبِيَّانِ أَوْ فُسَّاقٌ أَوْ ذِمِّيُّونَ) ، وَلَوْ دَفْعَةً بِأَنَّهُ الْقَاتِلُ (فَلَوْثٌ) فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ يُثِيرُ الظَّنَّ، وَاحْتِمَالُ التَّوَاطُؤِ كَاحْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ فِي شَهَادَةِ مَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُمْ كَعَبِيدٍ وَنِسْوَةٍ جَاءُوا دَفْعَةً، وَجْهَيْنِ أَشْهَرُهُمَا الْمَنْعُ، وَأَقْوَاهُمَا أَنَّهُ لَوْثٌ، وَاقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى الْأَصَحِّ بَدَلَ الْأَقْوَى، قَالَ الْإِسْنَوِيِّ: وَهُوَ عَجِيبٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّهُ بَحَثَ، وَأَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى خِلَافِهِ لَا سِيَّمَا، وَقَدْ نَقَلَ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ الشَّافِعِيِّ الْمَنْعَ فَيَتَعَيَّنُ الْفَتْوَى بِهِ. انْتَهَى. وَالْأَوْجَهُ مُقَابِلُهُ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَلَمْ يَنْسُبْ تَرْجِيحَ الْمَنْعِ إلَى أَحَدٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الرَّافِعِيَّ ذَكَرَ أَنَّهُ بَحْثٌ، وَأَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى خِلَافِهِ مَمْنُوعٌ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ يَقْتَضِي الْقَوْلَ بِهِ فِي نَظِيرِهِ مِمَّنْ لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ كَفَسَقَةٍ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ بِالشَّهَادَةِ يُوهِمُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ لَفْظُهَا، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْبَيَانُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَكْفِي الْإِخْبَارُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُشْتَرَطُ الْبَيَانُ فَقَدْ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِلَوْثٍ لَوْثًا ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ.
(لَا قَوْلَ الْمَقْتُولِ) أَيْ الْمَجْرُوحِ جَرَحَنِي فُلَانٌ أَوْ قَتَلَنِي أَوْ دَمِي عِنْدَهُ أَوْ نَحْوُهُ فَلَيْسَ بِلَوْثٍ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فَلَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ، وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ فَيَقْصِدُ إهْلَاكَهُ (فَإِنْ تَفَرَّقَ عَنْهُ جَمْعٌ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى قَتْلِهِ) كَمَا فِي الِازْدِحَامِ بِمَضِيقٍ (لَمْ تُسْمَعْ) دَعْوَاهُ عَلَيْهِمْ كَمَا مَرَّ (وَتُسْمَعُ عَلَى بَعْضِهِمْ فِي الِازْدِحَامِ) كَمَا لَوْ ثَبَتَ اللَّوْثُ فِي جَمَاعَةٍ مَحْصُورِينَ فَادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى بَعْضِهِمْ (وَيَعْتَمِدُ الْقَاضِي لَوْثًا عَايَنَهُ) ، وَلَا يُخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَضَائِهِ بِعِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِالْأَيْمَانِ.
(وَقَتِيلُ الصَّفَّيْنِ) الْمُتَقَاتِلَيْنِ أَيْ قَتِيلُ أَحَدِهِمَا الْمَوْجُودِ عِنْدَ انْكِشَافِهِمَا (إنْ الْتَحَمَ قِتَالٌ) بَيْنَهُمَا، وَلَوْ بِأَنْ وَصَلَ سِلَاحُ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ (فَلَوْثٌ فِي حَقِّ صَفِّ الْعَدُوِّ) لِلْقَتِيلِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ أَهْلَ صَفِّهِ لَا يَقْتُلُونَهُ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَتَّمْ الْقِتَالُ (فَفِي) أَيْ فَهُوَ لَوْثٌ فِي (حَقِّ) أَهْلِ (صَفِّهِ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ (فَلَوْ وُجِدَ بَعْضُهُ) أَيْ الْقَتِيلِ (فِي مَحَلَّةِ أَعْدَائِهِ وَبَعْضُهُ فِي أُخْرَى لِأَعْدَاءٍ) لَهُ (آخَرِينَ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُعَيِّنَ) أَحَدَهُمَا وَيَدَّعِيَ عَلَيْهِ (وَيُقْسِمَ) قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهَا وَيُقْسِمَ قَالَ فِي الْأَصْلِ قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ أَوْ قَبِيلَتَيْنِ، وَلَمْ يُعْرَفْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِهِمَا عَدَاوَةٌ لَمْ يُجْعَلْ قُرْبَهُ مِنْ إحْدَاهُمَا لَوْثًا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنْ يُبْعِدَ الْقَاتِلُ الْقَتِيلَ عَنْ فِنَائِهِ وَيَنْقُلَهُ إلَى بُقْعَةٍ أُخْرَى دَفْعًا لِلتُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَمَا وَرَدَ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ لَمْ يُثْبِتْ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إسْنَادَهُ.
(فَصْلٌ: قَدْ يُعَارِضُ اللَّوْثَ مَا يُبْطِلُهُ فَإِذَا ظَهَرَ لَوْثٌ عَلَى جَمَاعَةٍ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُعَيِّنَ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ) وَفِي نُسْخَةٍ الْأَكْثَرَ مِنْهُمْ وَيَدَّعِيَ عَلَيْهِ وَيُقْسِمَ؛ لِأَنَّ اللَّوْثَ كَذَلِكَ يَظْهَرُ، وَقَلَّمَا يَخْتَصُّ بِالْوَاحِدِ (فَإِنْ قَالَ الْقَاتِلُ أَحَدُهُمْ، وَلَا أَعْرِفُهُ فَلَا قَسَامَةَ، وَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ) قَالَ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرُهُ: هَذَا خِلَافُ الصَّحِيحِ فَقَدْ مَرَّ أَوَّلُ الْبَابِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ قَتَلَهُ أَحَدُ هَؤُلَاءِ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي تَحْلِيفَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ يُجِبْهُ لِلْإِبْهَامِ وَسَبَبُ مَا وَقَعَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ هُنَا أَنَّ الْغَزَالِيَّ فِي الْوَجِيزِ ذَكَرَهُ هُنَا كَذَلِكَ، وَهُوَ مِمَّنْ يُصَحِّحُ سَمَاعَ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَقَلَّدَهُ ذَاهِلًا عَمَّا مَرَّ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْلِيفِ (فَإِنْ نَكَلَ وَاحِدٌ) مِنْهُمْ عَنْ الْيَمِينِ (فَذَلِكَ لَوْثٌ فِي حَقِّهِ) ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ يُشْعِرُ
ــ
حاشية الرملي الكبير
قَوْلُهُ: أَوْ شَهِدَ عَدْلٌ) ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إذَا شَهِدَ الْعَدْلُ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ وَكَانَ فِي خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ لَمْ يَكُنْ لَوْثًا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى اللَّوْثِ نَقْلُ الْيَمِينِ إلَى جَانِبِ الْمُدَّعِي، وَهِيَ هُنَا فِي جَانِبِهِ ابْتِدَاءً، وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ إنْ شَهِدَ الْعَدْلُ الْوَاحِدُ بَعْدَ دَعْوَى الْمُدَّعِي فَاللَّوْثُ حَاصِلٌ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْعَمْدِ الْمَحْضِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ (قَوْلُهُ: وَكَذَا امْرَأَتَانِ أَوْ عَبْدَانِ) أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ عَبْدٌ وَفِي الْوَجِيزِ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ قَوْلَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَوْثٌ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ فَقَالَ، وَقَوْلُ رَاوٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: أَوْ صَبِيَّانِ أَوْ فُسَّاقٌ إلَخْ) قَوْلٌ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ لَيْسَ بِلَوْثٍ، قَالَ شَيْخُنَا عَلَى ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ) هَذَا التَّعْلِيلُ إنَّمَا يَجِيءُ إذَا شَهِدَ بِأَنَّهُ لَوْثٌ، وَهُوَ إنَّمَا يَشْهَدُ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَكَتَبَ أَيْضًا كَلَامُ الْمَطْلَبِ لَا يَحْسُنُ إيرَادُهُ تَقْيِيدًا لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
(قَوْلُهُ: فَيَقْصِدُ إهْلَاكَهُ) ، قَالَ شَيْخُنَا أَيْ ضَرَرُهُ بِالْغُرْمِ أَوْ هَلَاكُهُ حَقِيقَةً بِرَفْعِهِ لِمُخَالِفٍ كَمَالِكِيٍّ يَرَى وُجُوبَ الْقِصَاصِ بِالْقَسَامَةِ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ ثَبَتَ اللَّوْثُ فِي جَمَاعَةٍ مَحْصُورِينَ إلَخْ) بَحَثَهُ الشَّيْخَانِ وَصَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ، وَلَا يُجْدِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ عَلَى الْجَمِيعِ تُقْبَلُ مِنْهُ فَعَلَى الْبَعْضِ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: إنْ الْتَحَمَ قِتَالٌ بَيْنَهُمَا) أَوْ اخْتَلَطَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَكَتَبَ أَيْضًا، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ إذَا الْتَحَمَ الْقِتَالُ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَنَالُهُ سِلَاحُ أَصْحَابِهِ كَانَ لَوْثًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَنَالُهُ سِلَاحُ أَضْدَادِهِ كَانَ لَوْثًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَنَالُهُ سِلَاحُ الْجَمِيعِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهُ يَكُونُ لَوْثًا فِي حَقِّ أَضْدَادِهِ خَاصَّةً وَالثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ يَكُونُ لَوْثًا مَعَ الْفَرِيقَيْنِ، وَفِيمَا إذَا لَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ مُسْتَهْزَمِينَ، وَأَضْدَادُهُ طَالِبِينَ كَانَ لَوْثًا مَعَ أَضْدَادِهِ خَاصَّةً، وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ، وَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الطَّلَبِ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِأَنْ وَصَلَ سِلَاحُ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ رَمْيًا أَوْ طَعْنًا أَوْ ضَرْبًا) وَكُلٌّ مِنْ الصَّفَّيْنِ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ عَلَى الْآخَرِ (قَوْلُهُ فَلَا قَسَامَةَ وَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ) قَالَ شَيْخُنَا وَلَا يُنَافِي تَحْلِيفُهُمْ حَمْلَنَا ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا وُجِدَ لَوْثٌ مَعَ أَنَّ قَاعِدَةَ الْبَابِ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَعَ وُجُودِهِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي لِضَعْفِ هَذِهِ الْحَالَةِ بِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَكَانَتْ الْأَيْمَانُ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَفَائِدَةُ اللَّوْثِ صِحَّةُ سَمَاعِ الدَّعْوَى كا.
فَصْلٌ تُعَارِضُ اللَّوْثَ مَعَ مَا يُبْطِلُهُ
(قَوْلُهُ: فَقَلَّدَهُ ذَاهِلًا عَمَّا مَرَّ) قَدْ تَقَدَّمَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا