إلَّا السُّجُودَ فَإِذَا مَا انْضَمَّ لَهْ ... تَرْكُ الْجُلُوسِ فَلْيُعَامَلْ عَمَلَهْ
وَإِنَّمَا السَّجْدَةُ لِلْجُلُوسِ ... وَذَاكَ مِثْلُ الْوَاضِحِ الْمَحْسُوسِ
وَذِكْرُ الْمُصَنِّفِ الْخَمْسَ سَجَدَاتٍ، وَالسَّبْعَ فِيمَا فَرَّعَهُ عَلَى الِاعْتِرَاضِ غَيْرُ حَسَنٍ؛ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ فِيهِمَا لَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ مَعَ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ لَمْ يَذْكُرْهُمَا.
(فَرْعٌ)
لَوْ (قَامَ قَبْلَ التَّشَهُّدِ) الْأَوَّلِ (نَاسِيًا فَلَهُ الْعَوْدُ) إلَيْهِ. عِبَارَةُ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَصْحَابِ تَقْتَضِي طَلَبَ الْعَوْدِ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ يَرْجِعُ إلَيْهِ (مَا لَمْ يَنْتَصِبْ قَائِمًا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِفَرْضٍ (فَإِنْ عَادَ) إلَيْهِ (وَهُوَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ) مِنْهُ إلَى الْقُعُودِ (سَجَدَ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ النُّهُوضَ مَعَ الْعَوْدِ (عَامِدًا) عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) ، فَالسُّجُودُ لِلنُّهُوضِ مَعَ الْعَوْدِ لَا لِلنُّهُوضِ فَقَطْ وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُ لِلنُّهُوضِ لَا لِلْعَوْدِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ مَرْدُودٌ. وَشُمُولُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ عَامِدًا لِلْعَوْدِ مِنْ زِيَادَتِهِ. أَمَّا إذَا كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ، أَوْ كَانَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ، فَلَا يَسْجُدُ؛ لِقِلَّةِ مَا فَعَلَهُ حِينَئِذٍ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ مُطْلَقًا وَفِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَأَطْلَقَ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ تَصْحِيحَهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَبِهِ الْفَتْوَى (وَإِنْ انْتَصَبَ) قَائِمًا (لَمْ يَعُدْ) لِتَلَبُّسِهِ بِفَرْضٍ فَلَا يَقْطَعُهُ لِسُنَّةٍ (فَإِنْ عَادَ عَالِمًا) بِالتَّحْرِيمِ (عَامِدًا بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ لِزِيَادَتِهِ رُكْنًا عَمْدًا (لَا) إنْ عَادَ (جَاهِلًا) فَلَا تَبْطُلُ، لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ عِنْدَ تَعَلُّمِهِ (وَ) لَا إنْ عَادَ (نَاسِيًا) فَلَا تَبْطُلُ (لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ إنْ ذَكَرَ) أَيْ عِنْدَ تَذَكُّرِهِ وَيَسْجُدَ فِيهِمَا لِلسَّهْوِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
(وَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ وَتَخَلَّفَ الْمَأْمُومُ لِلتَّشَهُّدِ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ لِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ وَفَارَقَ مَا لَوْ قَامَ هُوَ وَحْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي بِأَنَّهُ فِي تِلْكَ اشْتَغَلَ بِفَرْضٍ وَفِي هَذِهِ بِسُنَّةٍ، فَإِنْ قُلْت سَيَأْتِي فِي الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ إمَامُهُ الْقُنُوتَ فَلَهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ لِيَقْنُتَ إذَا لَحِقَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى قُلْت فِي تِلْكَ لَمْ يُحْدِثْ فِي تَخَلُّفِهِ وُقُوفًا، وَهُنَا أَحْدَثَ فِيهِ جُلُوسًا نَعَمْ إنْ جَلَسَ إمَامُهُ لِلِاسْتِرَاحَةِ، فَالْأَوْجَهُ أَنَّ لَهُ التَّخَلُّفَ لِيَتَشَهَّدَ إذَا لَحِقَهُ فِي قِيَامِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يُحْدِثْ جُلُوسًا، فَمَحَلُّ بُطْلَانِهَا إذَا لَمْ يَجْلِسْ إمَامُهُ (وَإِنْ نَوَى مُفَارَقَتَهُ) لِيَتَشَهَّدَ فَلَا تَبْطُلُ (وَذَلِكَ) أَيْ التَّخَلُّفُ لِلتَّشَهُّدِ (عُذْرٌ) فِي عَدَمِ بُطْلَانِهَا وَفِي الْمُفَارَقَةِ (فَإِنْ انْتَصَبَا مَعًا، أَوْ انْتَصَبَ الْإِمَامُ) وَحْدَهُ (ثُمَّ عَادَ) فِيهِمَا (لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْقِيَامُ) بِأَنْ يَسْتَمِرَّ فِي الْأُولَى قَائِمًا وَيَقُومَ فِي الثَّانِيَةِ لِوُجُوبِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ فِيهَا بِانْتِصَابِ الْإِمَامِ وَأَمَّا فِي الْأُولَى فَإِمَامُهُ إمَّا مُخْطِئٌ بِالْعَوْدِ فَلَا يُوَافِقُهُ فِي الْخَطَإِ، أَوْ عَامِدٌ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ (وَلَهُ) فِيهِمَا (مُفَارَقَتُهُ وَلَوْ انْتَظَرَهُ قَائِمًا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ عَادَ نَاسِيًا جَازَ) ، لَكِنَّ الْمُفَارَقَةَ أَوْلَى كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُهُ وَلَوْ قَالَ وَانْتِظَارُهُ بَدَلَ وَلَوْ انْتَظَرَهُ وَحَذَفَ جَازَ كَفَى، لَكِنْ تَفُوتُهُ هَذِهِ الْإِشَارَةُ، وَهَذَانِ الْحُكْمَانِ مَعَ الْحُكْمِ الَّذِي عَقَبَهُمَا بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ (فَإِنْ عَادَ مَعَهُ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) أَوْ نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا فَلَا (وَلَوْ انْتَصَبَ الْمَأْمُومُ وَحْدَهُ نَاسِيًا لَزِمَهُ الْعَوْدُ) لِوُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ (وَإِنْ) الْأَوْلَى: فَإِنْ (لَمْ يَعُدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لِمُخَالَفَةِ الْوَاجِبِ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى قَامَ إمَامُهُ لَمْ يَعُدْ وَلَمْ تُحْسَبْ قِرَاءَتُهُ كَمَسْبُوقٍ سَمِعَ حِسًّا ظَنَّهُ سَلَامَ إمَامِهِ فَقَامَ وَأَتَى بِمَا فَاتَهُ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَا يُحْسَبُ لَهُ مَا أَتَى بِهِ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ (أَوْ) انْتَصَبَ وَحْدَهُ (عَامِدًا، فَالْعَوْدُ حَرَامٌ) كَمَا لَوْ رَكَعَ قَبْلَ إمَامِهِ (مُبْطِلٌ) ؛ لِأَنَّهُ زَادَ رُكْنًا عَمْدًا كَذَا (قَالَهُ الْإِمَامُ وَخُولِفَ) بِكَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ فَإِنَّهُمْ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ اسْتَحَبُّوا الْعَوْدَ فَضْلًا عَنْ الْجَوَازِ فَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْمَقِيسِ وَرَجَّحَهُ فِيهِ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ فَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا لَوْ قَامَ نَاسِيًا حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ كَمَا مَرَّ بِأَنَّ الْعَامِدَ انْتَقَلَ إلَى وَاجِبٍ، وَهُوَ الْقِيَامُ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْعَوْدِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ تَخْيِيرٌ بَيْنَ وَاجِبَيْنِ بِخِلَافِ النَّاسِي، فَإِنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ مُعْتَدٍ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعْذُورًا كَانَ قِيَامُهُ كَالْعَدَمِ فَتَلْزَمُهُ الْمُتَابَعَةُ كَمَا لَوْ لَمْ يَقُمْ لِيَعْظُمَ أَجْرُهُ، وَالْعَامِدُ كَالْمُفَوِّتِ لِتِلْكَ السُّنَّةِ بِتَعَمُّدِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَيْهَا (وَإِنْ رَكَعَ قَبْلَهُ نَاسِيًا تَخَيَّرَ بَيْنَ
ــ
حاشية الرملي الكبير
فَرْعٌ قَامَ قَبْلَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ نَاسِيًا
قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَنْتَصِبْ قَائِمًا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَامَ الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ، وَإِنْ اسْتَوَى قَائِمًا فَلَا يَجْلِسْ وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (قَوْلُهُ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ
(قَوْلُهُ لِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ) ؛ لِأَنَّ التَّخَلُّفَ لِلتَّشَهُّدِ تَخَلُّفٌ عَنْ وَاجِبَيْنِ أَحَدُهُمَا فَرْضُ الْقِيَامِ، وَالْآخَرُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ وَأَيْضًا الْمُبَادَرَةُ إلَى فِعْلِ الْوَاجِبِ لَيْسَتْ مُخَالَفَتُهَا فَاحِشَةً كَفُحْشِ التَّخَلُّفِ (قَوْلُهُ قُلْت فِي تِلْكَ لَمْ يَحْدُثْ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا انْتَهَضَ عَنْ السُّجُودِ قَائِمًا، وَالْمَأْمُومُ رَفَعَ رَأْسَهُ وَجَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ فَكَأَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ وَأَخَذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ فَلِهَذَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ صُورَةِ الْقُنُوتِ؛ وَلِأَنَّ التَّشَهُّدَ انْضَمَّ إلَيْهِ الْقُعُودُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِهَيْئَةِ الْإِمَامِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْقُنُوتِ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ مَدُّ الِاعْتِدَالِ وَهُوَ رُكْنٌ كَانَ مَعَهُ فِيهِ فَلَمْ يَبْطُلْ إذَا أَدْرَكَهُ سَاجِدًا.
(قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ جَلَسَ إمَامُهُ) لِلِاسْتِرَاحَةِ فِي ظَنِّهِ (قَوْلُهُ:، فَالْأَوْجَهُ إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي فُرُوقِهِ لَا نُسَلِّمُ اسْتِحْبَابَ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ لِمَنْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ انْتَهَى.
وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ أَنَّ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ فِيهِ قِرَاءَةٌ وَجُلُوسٌ، وَالْجُلُوسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ لَا قِرَاءَةَ فِيهِ قَالَ شَيْخُنَا فَمَا بَحَثَهُ الشَّارِحُ مُوَافِقٌ لِرَأْيِهِ الْآتِي فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ مَرْدُودٌ فِيهِمَا (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مُفَارَقَتَهُ (قَوْلُهُ: لِمُخَالَفَتِهِ الْوَاجِبَ) ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ يُتْرَكُ لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ كَمَا لَوْ اعْتَدَلَ قَبْلَ إمَامِهِ فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَى الرُّكُوعِ مَعَهُ (قَوْلُهُ: فَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْمَقِيسِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ أُجِيبَ بِأَنَّ تَرْكَ الْقُعُودِ مَعَ الْإِمَامِ مُخَالَفَةٌ فَاحِشَةٌ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ هَذَا الْفَرْقُ لَا يَقْوَى فَإِنَّهُ لَوْ سَجَدَ قَبْلَهُ وَتَرَكَهُ فِي الْقِيَامِ كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ الْفَاحِشَةُ أَيْضًا حَاصِلَةً، وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَرَّقَ بِطُولِ الِانْتِظَارِ فِي الْقِيَامِ عَنْ التَّشَهُّدِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ سَبَقَهُ بِالسُّجُودِ فِي ثَانِيَةِ الصُّبْحِ وَجَبَ الْعَوْدُ