بِالضَّمِّ، وَالرَّحْمَنُ أَبْلَغُ مِنْ الرَّحِيمِ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى كَمَا فِي قَطَعَ، وَقَطَّعَ، وَعَلَيْهِ نَقْضٌ ذَكَرْته مَعَ جَوَابِهِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) بَدَأَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالْبَسْمَلَةِ، وَبِالْحَمْدَلَةِ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَعَمَلًا بِخَبَرِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «بِالْحَمْدِ لِلَّهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَغَيْرُهُ، وَجَمَعَ بَيْنَ الِابْتِدَاءَيْنِ عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ، وَإِشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا إذْ الِابْتِدَاءُ حَقِيقِيٌّ، وَإِضَافِيٌّ فَبِالْبَسْمَلَةِ حَصَلَ الْحَقِيقِيُّ، وَبِالْحَمْدَلَةِ حَصَلَ الْإِضَافِيُّ، وَقَدَّمَ الْبَسْمَلَةَ عَمَلًا بِالْكِتَابِ، وَالْإِجْمَاعِ
وَالْحَمْدُ لُغَةً هُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ عَلَى جِهَةِ التَّبْجِيلِ سَوَاءٌ أَتَعَلَّقَ بِالْفَضَائِلِ أَمْ بِالْفَوَاضِلِ، وَعُرْفًا فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ لِكَوْنِهِ مُنْعِمًا عَلَى الْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ فَيَتَنَاوَلُ الْقَوْلَ، وَالْفِعْلَ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الصُّوفِيَّةِ، وَهُوَ بِالْفِعْلِ أَقْوَى مِنْهُ بِالْقَوْلِ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الَّتِي هِيَ آثَارُ السَّخَاوَةِ مَثَلًا تَدُلُّ عَلَيْهَا دَلَالَةً عَقْلِيَّةً قَطْعِيَّةً لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا تَخَلُّفٌ بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ فَإِنَّ دَلَالَتَهَا عَلَيْهَا وَضْعِيَّةً، وَقَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهَا مَدْلُولُهَا، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ حَمْدًا لِلَّهِ، وَثَنَاؤُهُ عَلَى ذَاتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى حِينَ بَسَطَ بِسَاطَ الْوُجُودِ عَلَى مُمْكِنَاتٍ لَا تُحْصَى، وَوَضَعَ عَلَيْهِ مَوَائِدَ كَرَمِهِ الَّتِي لَا تَتَنَاهَى فَقَدْ كَشَفَ سُبْحَانَهُ عَنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ، وَأَظْهَرَهَا بِدَلَالَاتٍ قَطْعِيَّةٍ تَفْصِيلِيَّةٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ فَإِنَّ كُلَّ ذَرَّةٍ مِنْ ذَرَّاتِ الْوُجُودِ تَدُلُّ عَلَيْهَا، وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعِبَارَاتِ مِثْلُ هَذِهِ الدَّلَالَاتِ، وَمِنْ ثَمَّ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُبْحَانَك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» .
وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ، وَغَيْرِهِ (الَّذِي جَعَلَ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ) أَيْ الْقُرْآنَ (رَوْضَةً دَانِيَةً قُطُوفُهَا) أَيْ قَرِيبَةً ثِمَارُهَا، وَالْمُرَادُ فَوَائِدُهَا، وَالرَّوْضَةُ تُقَالُ لِبُقْعَةٍ ذَاتِ أَشْجَارٍ كَثِيرَةِ الثِّمَارِ، وَالْبَقْلِ، وَالْعُشْبِ، وَقَدْ اسْتَعَارَ لَفْظَهَا لِلْقُرْآنِ، وَرَشَّحَ الِاسْتِعَارَةَ بِدَانِيَةٍ قُطُوفُهَا (وَأَوْجَزَ) أَيْ قَلَّلَ مَبَانِيَهُ، وَكَثَّرَ مَعَانِيهِ (فَأَعْجَزَ) خَلْقَهُ عَنْ إدْرَاكِ مَعَانِيهِ، وَعَنْ إتْيَانِهِمْ بِمِثْلِهِ (وَجَمَعَ) فِيهِ (عِلْمَ الْأَوَّلِينَ، وَالْآخِرِينَ فِي كَلِمٍ) عِدَّتُهَا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ سَبْعٌ، وَسَبْعُونَ أَلْفًا، وَتِسْعُمِائَةٍ، وَأَرْبَعٌ، وَثَلَاثُونَ (مَعْدُودَةٌ حُرُوفُهَا) ، وَهِيَ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفٍ، وَأَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَسَبْعُمِائَةٍ، وَأَرْبَعُونَ، وَفِيهَا، وَفِي الْكَلِمِ أَقْوَالٌ أُخَرُ (أَحْمَدُهُ حَمْدَ مَنْ رَتَعَ فِي رَوْضِ مَوَاهِبِهِ) جَمْعُ مَوْهِبَةٍ بِالْكَسْرِ، وَبِالْفَتْحِ الْعَطِيَّةُ، وَبِالْفَتْحِ نَقْرَةٌ فِي الْجَبَلِ يُسْتَنْقَعُ فِيهَا الْمَاءُ، وَرَوْضٌ جَمْعُ رَوْضَةٍ ذَكَرَ ذَلِكَ الْجَوْهَرِيُّ.
وَقَدْ اسْتَعَارَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ الرُّتُوعِ، وَهُوَ التَّنَعُّمُ بِالْأَكْلِ لِلتَّنَعُّمِ بِالْمَعَانِي ثُمَّ رَشَّحَ الِاسْتِعَارَةَ بِالرَّوْضِ (وَ) حَمْدُ مَنْ (تَعَاوَرَتْ) أَيْ تَدَاوَلَتْ (رَبَوَاتُ) أَيْ مُرْتَفَعَاتُ (أَرْضِهِ هُوَ أَطَلُّ سَحَائِبِهِ) فَاعِلُ تَعَاوَرَتْ أَيْ سَحَائِبُهُ الْهَوَاطِلُ أَيْ كَثِيرَةَ الْمَطَرِ، وَالسَّحَائِبُ جَمْعُ سَحَابَةٍ، وَهِيَ الْغَيْمُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَالْمُرَادُ مِنْ تَوَالَتْ عَلَيْهِ نِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى فَالضَّمِيرُ فِي أَرْضِهِ لِلْحَامِدِ، وَفِي سَحَائِبِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ ذَكَرَ الْحَمْدَ مَرَّتَيْنِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ نَوْعَيْهِ الْوَاقِعِ فِي مُقَابَلَةِ صِفَاتِ اللَّهِ الْعِظَامِ، وَالْوَاقِعِ فِي مُقَابَلَةِ نِعَمِهِ الْجِسَامِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا التَّوْفِيقُ لِتَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ، وَلَمَّا كَانَتْ صِفَاتُهُ تَعَالَى قَدِيمَةً مُسْتَمِرَّةً، وَالنِّعَمُ مُتَجَدِّدَةٌ مُتَعَاقِبَةٌ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الثُّبُوتِ، وَالِاسْتِمْرَارِ، وَالثَّانِي بِالْفِعْلِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّجَدُّدِ، وَالتَّعَاقُبِ (وَأُصَلِّي) ، وَأُسَلِّمُ (عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ الَّذِي أَرْسَلَهُ) اللَّهُ (رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الْإِنْسِ، وَالْجِنِّ، وَالصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ، وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ، وَمِنْ الْآدَمِيِّ تَضَرُّعٌ، وَدُعَاءٌ وَالرَّسُولُ إنْسَانٌ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ، وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ
، وَالنَّبِيُّ إنْسَانٌ أُوحِيَ
ــ
حاشية الرملي الكبير
قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ نَقْضٌ إلَخْ) وَنَقْضٌ بِحَذَرٍ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ حَاذِرٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرِيٌّ لَا كُلِّيٌّ وَبِأَنَّهُ لَا يُنَافِي أَنْ يَقَعَ فِي الْأَنْقَصِ زِيَادَةُ مَعْنًى بِسَبَبٍ آخَرَ كَالْإِلْحَاقِ بِالْأُمُورِ الْجِبِلِّيَّةِ مِثْلُ شَرِهٍ وَنَهِمٍ وَبَانَ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُتَلَاقِيَانِ فِي الِاشْتِقَاقِ مُتَّحِدِي النَّوْعِ فِي الْمَعْنَى كَغَرْثٍ وَغَرْثَانَ وَصَدًى وَصَدْيَانَ لَا كَحَذِرٍ وَحَاذِرٍ لِلِاخْتِلَافِ ش.
(قَوْلُهُ فَالْبَسْمَلَةُ حَصَلَ الْحَقِيقِيُّ إلَخْ) أَوْ يُحْمَلُ الِابْتِدَاءُ عَلَى الْعُرْفِيِّ الْمُمْتَدِّ أَوْ أَنَّ الْبَاءَ فِي الْحَدِيثَيْنِ لِلِاسْتِعَانَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ بِشَيْءٍ لَا تُنَافِي الِاسْتِعَانَةَ بِآخَرَ، أَوْ لِلْمُلَابَسَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُلَابَسَةَ تَعُمُّ وُقُوعَ الِابْتِدَاءِ بِالشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ الْجُزْئِيَّةِ وَبِذِكْرِهِ قَبْلَ الِابْتِدَاءِ بِالشَّيْءِ بِلَا فَصْلٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ أَحَدَهُمَا جُزْءًا وَيَذْكُرَ الْآخَرَ قَبْلَهُ بِدُونِ الْفَصْلِ فَيَكُونُ آنُ الِابْتِدَاءِ آنُ التَّلَبُّسِ بِهِمَا. (قَوْلُهُ هُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ إلَخْ) فَدَخَلَ فِي الثَّنَاءِ الْحَمْدُ وَغَيْرُهُ وَخَرَجَ بِاللِّسَانِ الثَّنَاءُ بِغَيْرِهِ كَالْحَمْدِ النَّفْسِيِّ وَبِالْجَمِيلِ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى غَيْرِ الْجَمِيلِ إنْ قُلْنَا بِرَأْيِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الثَّنَاءَ حَقِيقَةٌ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَإِنْ قُلْنَا بِرَأْيِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْخَيْرِ فَقَطْ فَفَائِدَةُ ذِكْرِ ذَلِكَ تَحْقِيقُ الْمَاهِيَّةِ أَوْ دَفْعُ تَوَهُّمِ إرَادَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُهُ، وَبِالِاخْتِيَارِيِّ الْمَدْحُ فَإِنَّهُ يَعُمُّ الِاخْتِيَارِيَّ وَغَيْرَهُ تَقُولُ مَدَحْت اللُّؤْلُؤَةَ عَلَى حُسْنِهَا دُونَ حَمِدْتهَا، وَعَلَى جِهَةِ التَّبْجِيلِ مُتَنَاوِلٌ لِلظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ إذْ لَوْ تَجَرَّدَ الثَّنَاءُ عَلَى الْجَمِيلِ عَنْ مُطَابَقَةِ الِاعْتِقَادِ أَوْ خَالَفَهُ أَفْعَالُ الْجَوَارِحِ لَمْ يَكُنْ حَمْدًا بَلْ تَهَكُّمٌ أَوْ تَمْلِيحٌ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي دُخُولَ الْجَوَارِحِ وَالْجِنَانِ فِي التَّعْرِيفِ لِأَنَّهُمَا اُعْتُبِرَا فِيهِ شَرْطًا لَا شَطْرًا ش.
(قَوْلُهُ وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ إلَخْ) وَالشُّكْرُ لُغَةً فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى الشَّاكِرِ أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِاللِّسَانِ أَمْ بِالْجَنَانِ أَمْ بِالْأَرْكَانِ فَمَوْرِدُ الْحَمْدِ اللِّسَانُ وَحْدَهُ وَمُتَعَلِّقُهُ النِّعْمَةُ وَغَيْرُهَا وَمَوْرِدُ الشُّكْرِ اللِّسَانُ وَغَيْرُهُ وَمُتَعَلِّقُهُ النِّعْمَةُ وَحْدَهَا فَالْحَمْدُ أَعَمُّ مُتَعَلَّقًا وَأَخَصُّ مَوْرِدًا وَالشُّكْرُ بِالْعَكْسِ وَمِنْ ثَمَّ تَحَقَّقَ تَصَادُقُهُمَا فِي الثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِحْسَانِ وَتُفَارِقُهُمَا فِي صِدْقِ الْحَمْدِ فَقَطْ عَلَى الثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ عَلَى الْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ وَصِدْقِ الشُّكْرِ فَقَطْ عَلَى الثَّنَاءِ بِالْجَنَانِ عَلَى الْإِحْسَانِ وَالشُّكْرُ عُرْفًا صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ السَّمْعِ وَغَيْرِهِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ فَهُوَ أَخَصُّ مُطْلَقًا مِنْ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ لِاخْتِصَاصِ مُتَعَلِّقِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلِاعْتِبَارِ شُمُولِ الْآلَاتِ فِيهِ بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ وَالشُّكْرُ اللُّغَوِيُّ مُسَاوٍ لِلْحَمْدِ الْعُرْفِيِّ وَبَيْنَ الْحَمَدَيْنِ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ ش.
(قَوْلُهُ فِي كَلِمٍ مَعْدُودَةٍ حُرُوفُهَا إلَخْ) أَمَّا النُّقَطُ عَلَى حُرُوفِهِ