يَتَأَخَّرُ قَدْرَ ذِرَاعٍ آخَرَ فَيُسَلِّمُ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتَوَسَّلُ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إلَى رَبِّهِ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ وَمَنْ شَاءَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ سَائِرَ الْمَشَاهِدِ بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ نَحْوُ ثَلَاثِينَ مَوْضِعًا يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَكَذَا يَأْتِي الْآبَارَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ مِنْهَا أَوْ يَغْتَسِلُ فَيَشْرَبُ مِنْهَا وَيَتَوَضَّأُ وَهِيَ سَبْعُ آبَارٍ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِمْ، ثُمَّ يَزُورُ أَنَّ الزِّيَارَةَ تَتَأَكَّدُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَإِلَّا فَهِيَ مَطْلُوبَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ قَبْلَ الْحَجِّ وَبَعْدَهُ لَا سِيَّمَا الْمَارُّ بِالْمَدِينَةِ ذَهَابًا وَإِيَابًا.
(فَصْلٌ وَأَرْكَانُ الْحَجِّ سِتَّةٌ الْإِحْرَامُ) أَيْ نِيَّةُ الْإِحْرَامِ فِيهِ لِخَبَرِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (وَالْوُقُوفُ) بِعَرَفَةَ لِخَبَرِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» (وَالطَّوَافُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} الحج: ٢٩ (وَالسَّعْيُ) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فِي السَّعْيِ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْعَوْا فَإِنَّ السَّعْيَ قَدْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ» (وَالْحَلْقُ) أَوْ التَّقْصِيرُ لِتَوَقُّفِ التَّحَلُّلِ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ جَبْرِ تَرْكِهِ بِدَمٍ كَالطَّوَافِ (وَالتَّرْتِيبُ فِي الْمُعْظَمِ) بِأَنْ يُقَدِّمَ الْإِحْرَامَ عَلَى الْجَمِيعِ وَيُؤَخَّرَ السَّعْيَ عَنْ طَوَافٍ وَيُقَدَّمَ الْوُقُوفَ عَلَى طَوَافِ الرُّكْنِ وَالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ لِلِاتِّبَاعِ مَعَ خَبَرِ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (وَهِيَ) أَيْ السِّتَّةُ (أَرْكَانٌ لِلْعُمْرَةِ إلَّا الْوُقُوفُ) لِشُمُولِ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ لَهَا وَاعْتِبَارُ التَّرْتِيبِ فِيهَا بِمَا مَرَّ مَعَ تَقْدِيمِ السَّعْيِ عَلَى الْحَلْقِ وَعُدَّ فِي الْمَجْمُوعِ التَّرْتِيب شَرْطًا (، وَلَا تُجْبَرُ الْأَرْكَانُ بِالدَّمِ) إذْ الْمَاهِيَّةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِجَمِيعِ أَرْكَانِهَا (وَالْوَاجِبَاتُ) هِيَ (الْمَجْبُورَةُ) مِنْ حَيْثُ تَرْكُهَا (بِالدَّمِ) وَتُسَمَّى أَبْعَاضًا وَهِيَ خَمْسَةٌ (الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ) لِمُرِيدِ النُّسُكِ (وَالرَّمْيُ وَكَذَا الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَطَوَافُ الْوَدَاعِ) ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ هُنَا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَمَا ذَكَرَ مِنْ جَبْرِ تَرْكِ الْأَخِيرِ مِنْهَا إنَّمَا يُلَائِمُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مِنْ الْمَنَاسِكِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ (وَالْبَاقِي هَيْئَاتٌ لَا تُجْبَرُ)
(بَابُ حَجِّ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ) (يَصِحُّ إحْرَامُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ) لِصِحَّةِ مُبَاشَرَتِهِ (بِإِذْنِ الْوَلِيِّ) لِافْتِقَارِهِ إلَى الْمَالِ، وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ وَبِهِ فَارَقَ الصَّوْمَ وَنَحْوَهُ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى مَالٍ زَائِدٍ عَلَى مَا يَحْتَاجُهُ فِي الْحَضَرِ يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِلَا إذْنٍ، وَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إحْرَامُ السَّفِيهِ بِلَا إذْنٍ لَكِنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ أَوَائِلَ الْحَجِّ أَنَّهُ يَصِحُّ وَلِلْوَلِيِّ تَحْلِيلُهُ (وَ) يَصِحُّ (إحْرَامُهُ عَنْهُ) بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونِهِ «؛ لِأَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ حَجَّ بِي أَبِي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَلَا يَسْتَقِلُّ) الصَّبِيُّ بِالْإِحْرَامِ هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ (وَهُوَ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ) أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا (ثُمَّ الْوَصِيُّ) إنْ كَانَ (أَوْ الْقَيِّمُ) إنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيٌّ وَالْمُرَادُ الْحَاكِمُ أَوْ قَيِّمَهُ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْطَفْ هَذَا عَلَى مَا قَبْلَهُ لِعَدَمِ اجْتِمَاعِهِمَا (لَا غَيْرُهُمْ مِنْ أُمٍّ وَأَخٍ) وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ، وَلَيْسَ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَنَّ «امْرَأَةً رَفَعَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبِيًّا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ أَنَّهَا أَحْرَمَتْ عَنْهُ» وَبِتَقْدِيرِهِ يَحْتَمِلُ كَوْنُهَا وَصِيَّةً أَوْ قَيِّمَةً أَوْ أَنَّ الْأَجْرَ الْحَاصِلَ لَهَا إنَّمَا هُوَ أَجْرُ الْحَمْلِ وَالنَّفَقَةِ وَعُلِمَ مِنْ تَرْتِيبِ الْمَذْكُورِينَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إحْرَامُ الْمُؤَخَّرِ مِنْهُمْ مَعَ وُجُودِ الْمُقَدَّمِ حَتَّى الْجَدِّ حَيْثُ لَا مَانِعَ فِي الْأَبِ وَفَارَقَ التَّبَعِيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ عَقَدَ الْإِسْلَامَ لِنَفْسِهِ فَتَبِعَهُ فَرْعُهُ بِحُكْمِ الْبَعْضِيَّةِ وَالْإِحْرَامُ عَقَدَهُ لِغَيْرَةِ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ.
(وَيُحْرِمُ الْوَلِيُّ أَوْ مَأْذُونُهُ عَنْ) الصَّبِيِّ (غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَعَنْ الْمَجْنُونِ) كَمَا يَتَصَرَّفُ عَنْهُمَا فِي مَالِهِمَا (لَا) عَنْ (الْمُغْمَى عَلَيْهِ) كَالْمَرِيضِ الَّذِي يُرْجَى بُرْؤُهُ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ لَيْسَ لِأَحَدٍ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ بِسَبَبِ الْإِغْمَاءِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونِ فَصَحَّ إحْرَامُهُ عَنْهُمَا (وَلَوْ فِي غَيْبَتِهِمَا) لَكِنَّهُ يُكْرَهُ فِي غَيْبَتِهِمَا لِاحْتِمَالِ ارْتِكَابِهِمَا شَيْئًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ لِعَدَمِ عِلْمِهِمَا بِهِ (حَلَالًا كَانَ) الْوَلِيُّ (أَوْ مُحْرِمًا) عَنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ إحْرَامِهِ عَنْهُ مِنْ زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ (بِأَنْ يَقُولَ: أَحْرَمْت عَنْهُ أَوْ جَعَلْتُهُ مُحْرِمًا وَيُلَبِّي عَنْهُ) ، ذِكْرُ التَّلْبِيَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَيْفِيَّةِ إحْرَامِهِ عَنْهُ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الدَّارِمِيِّ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ كَيْفِيَّتَهُ أَنْ يَنْوِيَ جَعْلَهُ مُحْرِمًا فَيَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ: وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ عَبْدِهِ الْبَالِغِ
ــ
حاشية الرملي الكبير
فَصْلٌ أَرْكَانُ الْحَجِّ
فَصْلٌ وَأَرْكَانُ الْحَجِّ إلَخْ) (قَوْلُهُ الْإِحْرَامُ) كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ أَنَّ النِّيَّةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ سِوَى الْإِحْرَامِ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ لَكِنَّ الشَّافِعِيُّ قَالَ يُشْتَرَطُ الْقَصْدُ وَالْإِفَاقَةُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا كَانَ يَخْتَصُّ بِفِعْلٍ كَالسَّعْيِ وَالرَّمْيِ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ وَمَا لَا، بَلْ يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ اللُّبْثِ فَلَا (قَوْلُهُ وَالطَّوَافُ إلَخْ) قَالَ الرَّافِعِيُّ فَأَمَّا الْحَلْقُ وَالطَّوَافُ فَلَا يَتَأَقَّتُ أَحَدُهُمَا لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَطُوفَ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ إذَا تَأَخَّرَ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ صَارَ قَضَاءً. اهـ. وَكَلَامُهُ يُشْعِرُ بِجَوَازِ تَأْخِيرِ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ إلَى خُرُوجِ أَيَّامِ الْحَجِّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَالَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْحَلْقِ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ عَنْ هَذَا الْيَوْمِ وَتَأْخِيرُهُمَا عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَشَدُّ لَكِنْ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِمَا، وَلَا يَزَالُ مُحْرِمًا حَتَّى يَأْتِيَ بِذَلِكَ. اهـ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَيُشْكِلُ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْفَوَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْفَوَاتِ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى إحْرَامِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ صَاحِبَ الْفَوَاتِ لَا يَسْتَفِيدُ بِبَقَائِهِ عَلَى إحْرَامِهِ شَيْئًا بِخِلَافِ مَنْ أَخَّرَ الْحَلْقَ وَالطَّوَافَ
بَابُ حَجِّ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ
(بَابُ حَجِّ الصَّبِيِّ) (قَوْلُهُ يَصِحُّ إحْرَامُ الصَّبِيِّ إلَخْ) قَالَ الْأَصْحَابُ يُكْتَبُ لِلصَّبِيِّ ثَوَابُ مَا عَمِلَهُ مِنْ الطَّاعَاتِ، وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الدَّارِمِيِّ إلَخْ) لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا إذْ مَا ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ بَيَانًا لِلْأَفْضَلِ