ولو قال المدعي: ليست لي بيّنة، ثم قال من بعدُ: وجدت بيّنةً عالمةً بحقي، وما كنت أدريها، تسمع البيّنة منه، ولا يمتنع سماعها بقوله: ليست لي بينة.
ولو قال: ليست لي بينة لا حاضرة، ولا غائبة، ثم جاء بشهود، ففي المسألة وجهان: أحدهما - أنها تقبل.
ولو أقام المدعي شاهدين عدلين عند إنكار خصمه، ثم قال: كذب شاهداي، وشهدا بباطل، فلا شك أن بينته تسقط بما صدر منه من التكذيب، وهل تبطل دعواه في الأصل؟ فعلى وجهين ذكرهما صاحب التقريب: أحدهما - تبطل الدعوى حتى لو أراد أن يقيم بينة أخرى، لم يجد إلى ذلك سبيلاً، وينزل تكذيبُه شهوده منزلةَ تكذيبه نفسه. وهذا الوجه ضعيف.
والوجه الثاني - أنه لا تبطل دعواه؛ إذ من الممكن أن يقول أنا محق في دعواي، ولكنكما لم تحيطا بحقيقة الحال، فشهدتما بما لا تعلمان. وهذا واضح.
ثم فرّع على هذا فقال: لو أن المدعي أقام بينة، كما ذكرنا، وأقام المدعى عليه شاهداً واحداً: أن المدعي قال: كذب شهودي، وشهدوا مبطلين، وأراد أن يحلف مع شاهده، فما حكمه؟ قال: إن قلنا: لو قال المدعي ذلك، سقط دعواه، فيُقبل ذلك من المدعى عليه؛ فإنه يستفيد بالشاهد واليمين إسقاطَ الدعوى، فصار كما لو أقام شاهداً وحلف معه أن المدعي (١) أبرأه، فهذا مقبول. وإن قلنا: اللفظةُ التي قدمناها لو صدرت من المدعي حقيقةً، لم تتضمن سقوط دعواه، فإذا أقام المدعى عليه شاهداًً، وأراد أن يحلف معه، والمدعي منكر للّفظ، فلا حكم لما يأتي به المدعى عليه من الشاهد واليمين؛ فإن الدعوى لا تسقط، والبينة لا تسقط أيضاًً، فإنه نقل طعناً من المدعي في البينة، وما يتضمن جرحاً وطعناً في الشهود لا يثبت بشاهد ويمين، وإن كان المشهود عليه مالاً.
وكل ما ذكرناه متعلق بالبينة.
١٢١٠٠ - فلو لم يكن للمدعي بينة، فاليمين معروضة على المدعى عليه، فلا
(١) في الأصل: " المدعى عليه ".