وليس فيه ما يقتضي العتقَ، والذي نراه أنه كناية.
فإن السيد يراد به المالك، فسيد الدار مالكها، وإذا كان كذلك فاللفظ صالح لكونه كناية، ولو قال لأمته: " يا كَدْبانو " (١) - فقد قال القاضي: لا تَعتق وإن نوى. وليس الأمر كذلك عندنا؛ فإنه في معنى لفظ السيد.
ولو سميت المرأة حُرّة -قبل جريان الرق عليها- فلما رَقَّتْ قال لها مولاها: يا حرة، وقصد نداءها باسمها قبل أن رَقَّت، فقد قطع القاضي بأن ذلك لا يقبل منه، ويحكم بالعتق؛ فإن اللفظ صريح في الإعتاق، وفيه دقيقة، وهي أنها سميت حرة، إذا كانت حرة، فكانت الحرةُ لها صفةً غالبةً عليها ملتحقة بالألقاب، والرق إذا طرأ يمحق اسمها.
وسمعت شيخي غير مّرة يقول: لا تَعتق الأمةُ إذا ناداها باسمها القديم، وعندي أن هذه المسألة منزلة على مرتبة بين المرتبتين.
وقد ذكرنا مسائل الطلاق وقلنا فيها: منها ما لا يعمل اللفظُ فيه إلا بالنية، ومنها ما يعمل اللفظ فيه من غير نية، ولو نوى ما ينافي الوقوع دُيِّن، ومنها ما لو نوى ما ينافي الوقوع قُبِل ظاهرا، وإن كان مطلقُ اللفظ يعمل، فإذا قال لهذه الأمة: يا حرة، ولم يخطر له تسميتها باسمها القديم، فتعتق لا شك فيه. وإن نوى تسميتها، فالظاهر عندنا أنه يقبل، ومن أحكم ما مهدناه في كتاب الطلاق عَرَفَ قدْر هذا الكلام.
ولو قال لعبده: " يا آزاد مَرْد " (٢) عَتَقَ، وإن قصد بذلك أمراً غير الحرية دُيّن، ولو قال لعبد الغير: " يا آزاد مرد "، ثم ملكه يوماً، عَتَق عليه بحكم إقراره.
ولو كان اسم امرأة (طالق)، فقال لها زوجها: يا طالق - قال القاضي: طُلّقت، وهذا على قياس تسمية الأمة باسمها القديم إذا كانت تدعى حرّة، والخلاف فيه على ما تقدم.
ولو قال السيد: أنا أريد أن أسمي أمتي هذه حرة تلقيباً، فإذا قال بعد ذلك: "يا
(١) كلمة فارسية معناها: سيدة البيت.
(٢) تعبير فارسي معناه: أيها الرجل الحر.