وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا مر المار بين يدي أحدكم وهو في الصلاة، فليدفعه، فإن أبى، فليدفعه، فإن أبى، فليقاتله، فإنه شيطان" (١).
وقيل في تفسير قوله شيطان، معناه المارّ من شياطين الإنس. وقيل: إنه ليس المقصود من دفعه منعَه، ولكن الشيطان لا يجسر أن يمر بين يدي المصلي وحده، فإذا مر بين يديه إنسي، رافقه، فقوله: "فإنه شيطان" معناه، "فإن معه شيطاناً".
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو علم المارّ بين يدي المصلي ما فيه لوقف أربعين" (٢) وقد اختلف فيه فقيل: أربعين سنة، وقيل: أربعين شهراً، وقيل: أربعين يوماً، وقيل: أربعين ساعة.
٩٢١ - فإن قيل: هل من ضبطٍ في الفرق بين العمل القليل والكثير؟ قلنا: لا شك أن الرجوع في ذلك إلى العرف وأهله، ولا مطمع في ضبط ذلك على التقدير والتحديد؛ فإنه تقريب، وطلب التحديد في منزلة التقريب مُحال، ولكن كل تقريب له قاعدة، منها التلقي، وإليها الرجوع، فمطلوب السائل إذاً القاعدة التي عليها التحويم (٣) في ذلك.
فنقول: الآدميُّ ذو حركات وسكنات، ويعسر عليه تكلفُ السكون على وتيرة في زمان طويل، ولا شك أن المصلي مؤاخذ بالخشوع، والخشوع هو إسكان الجوارح، ورأى رسول الله رجلاً يعبث بيديه في الصلاة، فقال: "هذا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه" (٤). فالقدر الذي يُحمل صدورُه على ضرورة الخلقة والجبلة، ولا يحمل على الاستهانة بهيئة الخشوع والاستكانة مُحتمل، بل لا بد منه، وما فوقه إلى
= السنة: ٨٢٢، ٨٢٣، وانظر (الإحسان: ٥/ ٥٦٨، ٥٦٩، ٢١٩٤، ٢١٩٥، وتلخيص الحبير: ١/ ٤٥٧).
(١) حديث: "إذا مر المار بين يدي أحدكم ... " متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري، في قصة له، مع تفاوت يسير في اللفظ. (اللؤلؤ والمرجان: ١/ ١٠٠ ح ٢٨٣).
(٢) حديث: "لو علم المار": متفق عليه (اللؤلؤ والمرجان: ١/ ١٠١ ح ٢٨٤).
(٣) (ت ١)، (ت ٢): التحريم.
(٤) "لو خشع قلب هذا .. " حديثٌ موضوع. (ر. إرواء الغليل: ٢/ ٩٢ ح ٣٧٣).