وعندي أن جميع ذلك غيرُ معدود من مذهب الشافعي؛ فإنه ينشأ من قول قديم له في الشمس، وقد ذكرنا أن القول القديم مرجوع عنه، غيرُ معدود من المذهب.
والذي يحقق ذلك أنا لو فتحنا هذا الباب في النجاسات، فليت شعري ماذا نقول في صخرة صماء أصابتها قطرة من بول، ثم صب عليها دُفعُ الخلِّ الرقيق الثقيف (١) في حدورٍ وصبب! فنعلم قطعاً أن تلك القطرة قد زالت، ولم يبق منها أثر، فإن كنا نرعى زوال عين النجاسة، فينبغي أن نحكم بطهارة تلك الصخرة على هذه الصورة، ولا يسمح بها أحد ينتحل مذهب الشافعي، (٢) وهذا لازم قطعاً على هذا القياس.
فرع:
١١٠٥ - إذا فرعنا على القديم، وقلنا: الشمس تطهّر الأرض، وكذلك النار، فلو أصابت النجاسةُ ثوباً، ثم أثرت الشمس فيها، فانقلعت آثار النجاسة، فقد قال أبو حنيفة: لا يطهر الثوب بهذا، وإنما تطهر الأرض؛ فإن في أجزاء. التراب قوة محيلةً تحيل الأشياءَ إلى صفة نفسها، وهذا لا يتحقق في الثياب.
وأصحابنا نزلوا الثوب منزلة الأرض، وما ذكره أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه غيرُ بعيد، فليخرج الثوب على وجهين -إن قلنا الشمس تطفَر الأرض- لما ذكرته من الفرق بينهما (٣).
ثم ذكر بعض المصنفين: أنا إذا حكمنا بأن الثوب يطهر بالشمس، فهل يطهر بالجفاف في الظل؟ فعلى وجهين. وهذا في نهاية البعد، ثم لا شك أن نفس الجفاف لا يكفي في شيء من هذه الصور؛ فإن الأرض تجف بالشمس على قرب، ولم تنقلع بعدُ آثار النجاسة، والمرعي انقلاع الآثار على طول الزمان (٤) بلا خلاف، وكذلك القول في الثياب.
فرع:
١١٠٦ - الآجُرُ الذي كان عُجن بالماء النجس في طهارته كلام، فإن قلنا: إنه نجس -وهو المذهب والقول الجديد- فلو نقع في الماء زماناً، لم يطهر باطنه، فقد
(١) ثقف الخل اشتدت حموضته، فصار حريفاً لاذعاً، فهو ثقيف.
(٢) زيادة من: (ت ١)، (ت ٣).
(٣) ر. الدرة المضية: مسألة رقم ١٠٢، ١٠٣.
(٤) في (ت ٢): (فلا).