فألحقنا يوم دخوله وخروجه بأوقات تردّدِه في طي المراحل.
ومما يتعلق بتحقيق ذلك أنا إذا قلنا: لا يحتسب يوم دخوله، أردنا النهار، فحسب، إن دخل نهاراً، ولم نُرد اليوم بليلته، ولو دخل ليلاً، لم نحتسب عليه بقيةَ الليل، فأما أن نقول: لا نحتسب بقية الليل ولا نحتسب الغد أيضاً، فلا. وتعليلُ ما ذكرناه من ذلك واضح، فإن لم نحتسب عليه يوم الدخول لما عليه من الشغل فيه، فهذا لا يدوم يوماً وليلة.
وما ذكرناه من مقام المسافر ثلاثة أيام، فهي ثلاثة أيام بلياليها قطعاً، والذي يغمض أنه لو انتهى المسافر إلى المنزل في بقيةٍ من النهار قريبة، مثل أن كان انتهى إلى المنزل بعد وقت العصر قبل الغروب، وكان يقع شيء من شغله في الليل لا محالة، فالذي أراه أن بقية النهار، والليلَ كلَّه غيرُ محسوب من المدة، في هذه الصورة، نظراً إلى الشغل ووقوعه في الليل، فهذا إذا نوى مُقام ثلاثة أيام.
وإن نوى مُقام أربعة أيام، أو مُقام ثلاثة أيام ولحظة، ولم تكن إقامته لشغل، كأن يرتقب تجارة، ولكنه جرَّد نية الإقامة في هذه المدة من غير شغل، صار مقيماً، وانقطعت عنه الرخص المشروطة بالسفر وفاقاً.
١٢٧٣ - فخرج من ذلك أن المكث ثلاثة أيام من غير شغل تَودّع (١) محتمل في حق المسافر، إذ لا يشترط أن يكون المسافر دائباً في حركاته، وذلك غير ممكن، ولا يتصور احتمال مشاق السفر إلا بتودع في البين (٢) يُجمّ (٣) المسافرَ ودوابَّه، وإذا أفرط السكون، كان ذلك مناقضاً لحال المسافر، وكأن الثلاث فيما قيل آخر حدّ القلة، وأول حد الكثرة، وبها تحدد الخيار في البيع، وأمدُ استتابة المرتد، وغيرُهما، فكان ذلك قصداً وسطاً.
(١) التودع: السكون، والاستجمام. من تَوَدعّ: إذا صار صاحب دَعةٍ وراحة. (المعجم).
(٢) البين: استخدم إمام الحرمين هذا اللفظ في البرهان، وفي النهاية أكثر من مرة، وهو يفهم من السياق، وإن لم نجده -فيما وصلنا إليه من معاجم- منصوصاً. وهو هنا بمعنى الأثناء، أي أثناء السفر.
(٣) من أجمَّ الإنسانَ والفرسَ. إذا تركه يستريح. (المعجم).