متسامح في نقصان العدد في أثناء الصلاة، فله خروج على هذا الأصل، فأما الخطبة، فالغرض منها استماع الباقين ووعظهم وتذكيرهم؛ فما جرى، ولا مستمعَ، أو مع نقصان عدد المستمع، فقد عُدمَ أصلُ مقصود الخطبة.
ولو سكت الإمام، لما انفضّ القوم، فطال الفصل، فعادوا بعد تخلل الفصل الطويل، فهل يبني الخطيبُْ على الخطبة؟ ذكر معظم الأئمة قولين في ذلك، وخرّجوهما على قولين في أن الموالاة هل تشترط في الخطبة؟ وطردوا القولين فيه إذا لم ينفض القوم، ولكن سكت الخطيب سكوتاً طويلاً، تنقطع بمثله الموالاة، فهل يلزمه إعادة الخطبة؟ فعلى قولين.
١٣٦٦ - ولو انفض القوم بعد الخطبتين، ولم يتحرّم الإمام حتى عادوا، وما عادوا إلا بعد طول الفصل، فإذا عادوا ففي المسألة القولان المذكوران، فإن قلنا: الموالاة ليست مشروطة، تحرّم بالصلاة وتحرموا، ولم يضرّ ما جرى، إذا وسع الوقتُ الصلاةَ، كما سنذكر الوقت وما يتعلق به إن شاء الله.
وإن حكمنا باشتراط الموالاة، فقد بطلت الخطبتان، فإن أعادهما على قربٍ، وتحرّم وتحرّموا، ووسع الوقت، جاز ذلك.
وإن لم يُعد، فقد قال الشافعي: "أحببت أن يعيدَهما، ولو لم يُعدهما، لم تصح الجمعة"؛ فقوله: "أحببتُ" أثار خلافاً بين الأصحاب، فقال قائلون منهم: يجب عليه الإعادة، ووجهه أن ذلك ما (١) تصح به الجمعة، فعليه التسبب إليه، والسعي في تحصيله؛ إذ هو ممكن، وهو متمكن.
وذهب آخرون إلى أنه لا يجب عليه ذلك؛ فإنه قد فعل ما عليه.
وفائدة الخلاف أن صلاة الجمعة إذا لم تصح بسبب امتناعه عن إعادة الخطبة، فالذنب في وجهٍ محالٌ على الخطيب في ترك الإعادة، وهو في وجه محال على القوم؛ فإنهم بانفضاضهم جرّوا هذا، وهو قد أدى ما عليه من الخطبتين مرة، وسبب إبطالهما تفرقُهم وطول الفصل.
(١) (ما) هنا موصولة بمعنى الذي، وهي خبر (أن).