الإعادة"، وقال: "لو كان يصلي في شدة الخوف راكباً فأمن، ونزل وأدى بقية الصلاة آمناً، صحت هذه الصلاة" (١).
فحسب المزني أن سبب الفرق بين المسألتين أن فعل الراكب يكثر، وفعل النازل يقل، ثم أخذ يعترض ويقول: "ربَّ فارس ماهر يقلُّ فعله في ركوبه، وربَّ أخرقَ يكثر فعله في نزوله".
١٥٤٧ - ونحن نبدأ بالمسألة الأولى. وهي أن يطرأ الخوف، فيركب.
فالنص ما حكيناه، وقد اختلف طرقُ الأئمة فيه: فقال بعضهم: إن كثر العمل في الركوب، بطلت الصلاة، ونصُّ الشافعي محمول على هذه الصورة، وإن قل العمل، لم تبطل الصلاة.
وهذا ليس بشيء؛ فإن كثرةَ العمل بسبب الخوف محتملة على قاعدة المذهب، نعم، إن كثُر العمل من غير حاجة، فتبطل الصلاة.
وقال بعض الأصحاب: سبب بطلان الصلاة أنه لما شرع في الصلاة، التزم تمامَ الصلاة على شرائطها، فإذا ركب، فهذا خلاف ما التزمه، فبطلت صلاتُه، ولا فرق بين أن يكثر عمله وبين (٢) أن يقل، فإن الركوب وإن قلّ العملُ فيه مخالف لوضع الصلاة المفروضة وقد التزمها تامة (٣)، وهذا ليس بشيء أيضاً؛ فإن من تحرم بالصلاة قائماً، ثم طرأت ضرورة أحوجته إلى القعود والإيماء؛ فإنه يبني على صلاته، فطَرَيَانُ الخوف بهذه المثابة. والله أعلم.
والسر في هذا أن الالتزام إنما يؤثر فيما يتعلق بالرخص التي تجرى تخفيفاً مع الاختيار والتمكن، كرخصة القصر، فلا جرم لو نوى الإتمام، لم يقصر. فأما ما يتعلق بالضروريات، فتقدُّم الالتزام عند عقد الصلاة لا يؤثر فيه، كما ضربناه مثلاً من طريان القعود بسبب المرض.
(١) ر. المختصر: ١/ ١٤٥.
(٢) كذا بتكرير (بين) مع الاسم الظاهر، وذلك خلاف المشهور، وله وجه في الصحة، وعليه شواهد.
(٣) زيادة من (ت ١)، (ل).