سواء كانت الحكاية عن إمام المذهب، أو عن أصحاب الوجوه من الجانبين.
٢ - لم يدم الأمر على ذلك طويلاً، فقد رأينا من درس على شيوخٍ من الجانبين، وجمع بين الطريقين، وكان ذلك في مطلع القرن الخامس على يد الشيخ أبي علي السِّنجي المتوفى سنة ٤٣٠ هـ وقيل سنة ٤٢٧ هـ ولم نصل إلى تاريخ ميلاده، فإذا فرضنا أنه توفي عن ستين عاماً، والمعهود أن يكون قد بلغ درجة الفتوى في سنّ الثلاثين، فمعنى هذا أن الجمعَ بين الطريقتين، قد بدأ في نحو سنة ٤٠٠ هـ، أي بعد نشأة الطريقتين بنحو ثلاثين سنة.
ولسنا نقول: إنه بظهور الشيخ أبي علي السنجي انتهت الطريقتان، وانقطع أثرهما في التدوين والتدريس، بل ظل القرن الخامس يشهد من يجمع من المصنفين بين الطريقتين، ومن يقتصر في تصنيفه على طريقة واحدة من الطريقتين، إلى أن انتهى الأمر بالجمع بين الطريقتين.
فكأن تمايز الطريقتين في حكاية المذهب لم يدم طويلاً، بل لم يكد يظهر حتى ظهر الجمع بين الطريقتين.
٣ - والحقيقة الثالثة التي نقررها أن العبارة عن الطريقتين ومصنفاتهما فيها كثير من التوسع، وآية ذلك أنهم يعدون إمام الحرمين مروزياً من أركان المراوزة، ومن تلاميذ القفال شيخ طريقة المراوزة، وفي الوقت نفسه يعدونه، ممن جمع بين الطريقتين، وهو فعلاً قد جمع بينهما.
كما يعدون كتابه (نهاية المطلب) هذا الذي بين أيدينا من كتب أصحابنا الخراسانيين، ذكر ذلك صراحة التقيُّ السبكي في أول تكملته للمجموع، وهو يعدّد المصادر التي يعتمدها في تكملة شرحه للمهذب، حيث قال: " وعندي من كتب الخراسانيين تعليقة القاضي حسين، والسلسلة، والجمع والفرق للشيخ أبي محمد الجويني، والنهاية لامام الحرمين، والبسيط للغزالي، و ... إلخ" (١).
وكما ترى يعدّ (النهاية) و (البسيط) من كتب الخراسانيين، وهما يجمعان بين
(١) المجموع: ١٠/ ٦.