استقرار المذهب:
ظلت آراء الشيخين ومؤلفاتهما المعين الوحيد الذي يستقي منه علماء المذهب وأئمتُه، لا يعرفون غير كتبهما، ولايقولون بغير آرائهما، وانشغلوا بمؤلفاتهما -وبخاصة النووي- اختصاراً، وشرحاً، ونظماً، وتحشية، حتى يوفروا منها الزاد والري الذي يناسب مختلف الواردين: من الشُداة المبتدئين إلى الطامحين إلى الاجتهاد المنتهين.
وعلى طول القرون الثلاثة منذ وفاة الشيخين الرافعي والنووي في القرن السابع إلى القرن العاشر ظل الحال كما وصفنا؛ فقد كانت كتب الشيخين القطبَ الذي تدور حوله جميع التآليف، ومع ذلك لم يخل زمان من محقِّقٍ ينظر في كلام الشيخين، فيرجِّح بينهما إذا اختلفا، بل يخالفهما أحياناً.
وحظي القرن العاشر بعددٍ من هؤلاء المحققين، جمعوا إلى تحقيقاتهم تحقيق من سبقوهم، من هؤلاء: شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، المتوفى سنة ٩٢٦ هـ
والخطيب الشربيني، محمد بن أحمد، شمس الدين، صاحب (مغني المحتاج) المتوفى سنة ٩٧٧ هـ.
والشهاب الرملي -نسبة إلى رملة المنوفية-، أحمد بن حمزة، صاحب (فتح الجواد)، المتوفى سنة ٩٥٧ هـ.
وابنه شمس الدين، محمد بن أحمد بن حمزة، كان يلقب بالشافعي الصغير، صاحب (نهاية المحتاج)، المتوفى ١٠٠٤ هـ.
وابن حجر، الهيتمي، أحمد بن محمد، والهيتمي نسبة إلى محلة أبي الهيتم، وتسمى الآن (الهياتم)، من قُرى دلتا النيل بمصر، صاحب (تحفة المحتاج) ت ٩٧٤ هـ.
هؤلاء المحققون وغيرهم كان لهم من الجهد ما يمكن أن نسميه التحرير الثاني للمذهب فقد أدى اجتهادهم إلى مخالفة الشيخين في شيءٍ من ترجيحاتهما؛ وانتهى الأمر إلى اعتماد (التحفة) لابن حجر، (والنهاية) للشمس الرملي، في حق من لم