إمساكُ المواشي مدّة (١) إلى أن تتفق تفرقتها، فلو كانت معيبة، فقد تهلك في مدة الحبس، وعلى الجملة للتعبد مدخل في منع إجزاء المعيبة في الزكاة، كما أن له مدخلاً في الضحايا.
١٧٩٩ - ولو وجب في ماله سِنّان، وكان جميع ماشيته معيبة إلا واحدة، فلو أراد أن يخرج معيبين، لم يقبلا منه، ولو أخرج تلك الصحيحة، وكانت سنَّ الفريضة، أو أعلى من السن، وأخرج مريضة، فالذي قطع به العراقيون والصيدلاني أن ذلك يجزئه؛ لأنه لم يُبق لنفسه صحيحة.
وكان شيخي يقطع في دروسه أنه إذا كان في ماله صحيحة واحدة، وواجب ماله أسنان، فلا بد من أن تكون جميعها صحيحة، ولا يكفيه أن يخرج تلك الصحيحة، وكان يعلل بأن من أخرج بعيرين من إبله، فهما يزكيان ماله، وكل واحدٍ منهما يزكي الثاني، وإن كانا مخرجين، فلو أخرج صحيحةً ومريضة، فيلزم أن تزكي المريضةُ الصحيحة.
وهذا عندي خروج عن ضبط الفقه، وتقديرٌ بعيد لا حاصل له، والمطلوب ألا يبقى للمالك صحيحة، ويُخرج مريضة، وما بعد ذلك لا أصل له. والزكاة إذا أُخرجت، فالباقي مزكّى بها، فأما الزكاة، فلا تزكي نفسها.
١٨٠٠ - ومما يتصل بما نحن فيه أن الشافعي قال: "لو كانت ماشيته معيبة، لزمه أن يخرج خيرَ المعيب" فظاهر هذا يقتضي أنا نُلزمه أن يتخير للزكاة أفضل ماله وخيرَه، وقد اتفق أصحابنا على مخالفة هذا الظاهر، وزعموا أن القول به إجحافٌ برب المال.
وقد يقول القائل: إذا كان في ماشيته المراض ما هو أقل عيباً، وأقربُ إلى السلامة، فهو بالإضافة إلى ما هو أكثر عيباً، وأظهر مرضاً كالصحاح (٢ بالإضافة إلى المريض، وقد ذكرنا أنه إذا كان في ماشيته صحاح، فلا يقبل فيه إلا صحيحة ٢)، وإن
(١) في الأصل، وفي (ط): هذه.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (ت ٢).