وللأصحاب طريقتان في قاعدة المذهب: منهم من قال: في متعلق الزكاة قولان في الأصل: أحدهما - أنها تتعلق بذمة المالك.
والثاني - أنها تتعلق بالعين، ثم إذا حكمنا أنها تتعلق بالعين، ففي وجه التعلق قولان: أحدهما - أنها تتعلق بالعين استحقاقاً، فيستحق المساكين جزءاً من المال، والثاني - أنها تتعلق بالعين استيثاقاً. ثم في كيفية الاستيثاق قولان: أحدهما - أنها تتعلق بالعين تعلق الأرش برقبة العبد الجاني.
والثاني - أنها تتعلق بها تعلّق الدين بالمرهون. وسيأتي توجيه الأقوال، في أثناء الكلام.
وقال ابن سريج: لا خلاف في تعلق الزكاة بالعين، وإنما تردّدُ الأقوال في كيفية التعلق.
وحقيقة هذا الأصل تبين بذكر شيئين، نوضحهما، ثم نأخذ في كشف الغطاء.
من قال: الزكاةُ تتعلق بالذمة، فعنده أن الأربعين من الغنم إذا وجبت فيها الزكاة، فيجوز بيع جميعها، ثم إن أدى البائعُ الزكاةَ من مالٍ آخر، نفذ البيعُ وتم، وإن لم يؤدّه، فالساعي يأخذ شاةً من الأربعين من يد المشتري.
هذا متفقٌ عليه، وإن حكمنا بأن الزكاة تتعلق بالذمة، فهذا أحد الأمرين.
والثاني - أنا إذا قلنا: تتعلق الزكاة بالعين استحقاقاً، فلا يتعين على المالك إخراج الزكاة من عين المال، بل لو أراد أداءها من مالٍ آخر، لم تجب الزكاة فيه، جاز وفاقاً.
١٩٧١ - فإذا تحقق الأمران، وظهر الاتفاق عليهما، فنقول بعد ذلك: من ظن أن الزكاة لا تعلّق لها بالعين في قولٍ أصلاً، وإنما تتعلق بالذمة المطلقة، فقد غلط، وكان ما قاله غيرَ معدود من المذهب؛ فإنا حكينا الوفاق على أن الساعي يأخذ شاةً من يد المشتري، ومن كان عليه دين مطلق، فباع مالَه، لم يكن لمستحق الدين تعلقٌ بما باعه، وإن تعذر عليه استيفاء دينه، ممن عليه الدين. فإذا أثبتنا للساعي أن يأخذ شاةً من يد المشتري، كان ذلك قاطعاً في التعلّق.