ومذهبُه أن الغلط إذا فرض في أول النهار، لم يُفسد الصومَ، ولا قضاء، بخلاف ما لو جرى ذلك في آخر النهار. والفارق أنه إذا أكل في آخر النهار، فالأمر مبنيٌّ على بقاء النهار، فلزم الفطر لذلك، ولم يعذر المخطىء، والأمر في أول النهار مبني على بقاء الليل، فعُذِر المخطىء.
وذهب داود (١) إلى أنه (٢) في آخر النهار معذورٌ أيضاً.
٢٢٨٤ - وهذا أوان التنبه لحقيقةٍ وهي أن من نسي الصومَ، فأكل، لم يفطر، وسنعقد في ذلك فصلاً، فالأكل في آخر النهار في معنى أكل الناسي، من حيث إنه جرى خطأً، ولا إثم على صاحبه، ولكنه يفارق الناسي من جهة أن الصوم مذكورٌ للآكل (٣).
فإن قيل: هلا خرج ذلك على قولين في خطأ القِبلة؟ قلنا: المخطئ آخراً لا يكاد يصادف أمارةً ظاهرةً في هجوم الليل، ثم استصحاب النهار في معارضة ما يعنّ له، وكان مع ذلك متمكناً من المكث إلى درك (٤) اليقين، فاقتضى اجتماع ما ذكرناه -من ذكر الصوم، وضعف الفطر، ووقوعِه على معارضة استصحاب النهار، والقدرة على دَرك اليقين- الفرقَ (٥) بين المخطئ في آخر النهار والناسي.
فأما إذا جرى ذلك في أول النهار، فالمسألة محتملة، وليس ما ذكره المزني بعيداً، ولكنها تتميز عن الأخرى بالاستصحاب، فقد نقول: الاجتهاد أقوى في الأول من حيث لا يناقضه الاستصحاب.
هذا حقيقة القول.
٢٢٨٥ - وتمام البيان في الفصل أن الفطر بالاجتهاد في آخر النهار جائزٌ، وإن كان المصير إلى درك اليقين ممكناً، ويشهد له ما روي: " أن عمر أفطر يوماً، وطائفةٌ
(١) في (ط): أبو داود، وهو خطأ. والمراد داود الظاهري.
(٢) في (ط): أنه المخطىء.
(٣) في الأصل: الأكل.
(٤) درك بسكون الراء وفتحها: اسم مصدر من الإدراك. (المعجم).
(٥) مفعول اقتضى.