الاعتكاف مرتدّاً؟ فإن قال: يصح اعتكافه، فهو أمر عظيم، وإن سلّم الفسادَ عند اقتران (١) الردة، فالفرق بين المقارن والطارئ عسِر، ولم يختلف أصحابنا في أن من ارتد في أثناء الوضوء، وغسل عضواً من أعضائه، في زمن ردته، لم يعتد بما أتى به في زمن الردة، والمكث الذي يقارن الردةَ الطارئة، كان يعتد به لولا الردة، فكيف الاعتداد به مع كَوْن (٢) الردة.
فإن روجعنا في الصحيح (٣) من ذلك، فالوجه الحكمُ بكون الردة مفسدةً، واحتمال بُعدٍ في التأويل للنص.
وأما السُّكْر، فإذا طال، فليس يبعد احتمالٌ في فساد الاعتكاف. على أن القياس أن لا يفسد مع تقدم النية. فإذاً يحمل النص على الإخراج من المسجد لإقامة الحدّ، وتكون فائدة التصوير أنه إذا كان منتسباً إلى التزام الحد، كان إخراجه على القهر، بمثابة خروجه من معتكفَه اختياراً.
وأما من قال بالفصل بين الزمان اليسير والكثير في الردة، فليس له وجه، به مبالاة.
ولكن إن لم يكن من المصير إلى ظاهر النص بُدّ، فقد ينتظم الاستنباط من قول الأصحاب في هذا فصل (٤) وهو أن من خرج عن معتكفه مختاراً من غير عذر، انقطع تتابعه، وإن قرب الزمان. وإن بقي في معتكفه وطرأ مفسد، كالردة -إذا اعتقدناها مفسدة- فإذا قرب الزمان، فالأصحاب مترددون في انقطاع التتابع، كما نبهنا عليه، ولا وجه أصلاً للاعتداد بالزمان الذي كان مرتداً فيه.
فهذا منتهى الحِيَل (٥) بعد النقل، في تنزيل كل قول، على الممكن فيه.
وقد نجز تمام المراد في جميع مفسدات الاعتكاف.
(١) (ط): اعتقاد.
(٢) أي وجودها.
(٣) في الأصل، (ك): فالصحيح.
(٤) في الأصل، (ك): قصد. هذا والمراد بقوله (فصلٌ) أي كلامٌ يسوقه ملخصاً جامعاً مرتَّباً.
(٥) الحِيَل: جمع حيلة، وهي الحذق وجودة النظر، والقدرة على دقة التصرف في الأمور.
(المعجم).