وأصول الدين بجامعة أم القرى للدكتور أحمد بن عبد اللطيف.
هذا هو مكانه في علم الكلام، وهذه هي مؤلفاته في هذا العلم -مع أنه لم يكن علمه الأول، كما أشرنا من قبل- وقد ذكر السبكي " أن المغاربة - حصل لهم بعض التحامل على الإمام، مع اعترافهم بعلوّ قدره، واقتصارهم -لا سيما في علم الكلام- على كتبه، ونهيهم عن كتب غيره " (١).
هكذا اندفع إمام الحرمين يخوض تيار علم الكلام، مدافعاً عن دين الله ذاباً عن عقائد أهل السنة، يقمع أهل الزيغ والضلال والتعطيل، والتجبسيم والتمثيل.
موقف إمام الحرمين من علم الكلام
إن المتتبع لآراء أئمة علم الكلام، كالأشعري، والجويني، والغزالي، والفخر الرازي وغيرهم، يجد أنه مع انشغالهم بعلم الكلام، وركوبهم سفائنه، وجدّهم واجتهادهم فيه، وتشقيقهم وتفصيلهم لقضاياه ومسائله، وتركهم المؤلفات المتعددة، التي تقرأ وتدرس للآن، يجدهم مع ذلك ينهَوْن عن علم الكلام، ويعلنون كراهيتهم للاشتغال به، ويدعون إلى منهج السلف في العقيدة يدعون إلى ذلك صراحة، لا رمزاً.
عرف هذا عن هؤلاء الأعلام، وكان التفسير الذي شاع لدى الدارسين والباحثين أن هذا تطورٌ في الرأي والفكر، فهم قد عادوا عن علم الكلام، ورجعوا عن منهجه، ونهَوْا عن التعلق به، وأكثروا الزراية عليه. وكان هذا آخرَ ما استقر عليه رأيهم، هذا هو التفسير السائد المعروف لدى الباحثين والدارسين والعلماء المعاصرين.
ولكن يلوح لي أن المسألة ليست قضية تطور أو رجوع، وإنما دخل هؤلاء الأئمة ميدان علم الكلام، وهم على كره لذلك الأمر، فكانوا يخوضون فيه مضطرين، من أجل المنافحة عن دين الله ضد هؤلاء الذين لا يعرفون إلا هذه المناهج، وهذه القضايا التي أخذوها عن اليونان، فرأى هؤلاء الأئمة أن يُحسنوا هذه الطرائق،
(١) الطبقات: ٥/ ١٩٣.