ولكنا نأتي بمسالكهم، ولا نعرّج على المشاحة (١) في التصوير.
فنقول: أولاً - لو حاذى المتعسف ميقاتاً بعيداً، وبين يديه ميقاتٌ آخر، وسيحاذيه في ممره، فليس له أن يؤخر الإحرامَ، عن محاذاة الميقات الأول؛ منتظراً محاذاةَ الميقات الثاني. كما ليس للذي يأتي من صوب المدينةِ، أن يجاوز ذا الحليفة، ليحرم من الجحفة.
وإن توسط في ممره، ووجهته إلى مكة ميقاتين، ووقع أحدهما منه على اليمين، والثاني على اليسار، فإن أمكن ذلك، فليحرم من مكانه؛ فإنه لو حاذى من أحد قُطريه (٢) ميقاتاً، لأحرم، وقد حاذى الآن ميقاتين. ولو جاوز مكانه، فهو مسيء.
وإذا أطلقنا المحاذاة في هذه المسائل، فلا شك أنا نعني بها المسامتة (٣)، من اليمين، أو الشمال؛ فإن المحاذاة بالظهر، صفةُ المجاوزين، والمحاذاة بالوجه صفة من لم ينته بعدُ إلى الميقات، وهو مارّ إليه.
٢٥٢٣ - ثم قال الأئمة: إذا توسط ميقاتين، وكان أحدُهما أقربَ إلى مكة، من الثاني لو فرض اطّراقهما، فإن كان المتوسِّط أقربَ إلى أحد الميقاتين منه إلى الثاني، فهو يُحرم من مكانه، ولكنه منسوبٌ إلى الميقات القريب منه.
وإن استوت المسافةُ بينه، وبين كل واحدٍ من الميقاتين، قالوا: في المسألة وجهان: أحدهما - أنه منسوب إلى أبعدهما (٤). والثاني - أنه يجوز أن يُنسب إلى أقربهما من مكة.
وهذا فيه فضلُ نظر، فإنا كيف قدّرنا الأمر، فهو مأمور بالإحرام من مكانه الذي حاذى فيه الميقاتين؛ وذلك المكانُ ميقاتُه على الحقيقة، فأي معنى لنسبته إلى أحد الميقاتين، وميقاته الحقيقي مكانُه، ينشئ الإحرام منه. ولو فُرضت مجاوزتُه، لكان
(١) في الأصل: نفرح عن الإباحة، (ك): المساحة.
(٢) قطريه: مثنى قطر، وقُطر الرجل: جانبه.
(٣) المسامتة: الموازاة، من اليمين أو الشمال.
(٤) (ط): أحدهما.