هكذا. يجدد العهد بالترتيب، لأنه من أظهر الأعوان على درك مضمون الكتاب.
وهذا الاهتمام بالترتيب والتبويب رأيناه أيضاً عند تلميذه حجة الإسلام الغزالي غايةً في الوضوح، والدقة، حتى تفوق فيه على شيخه.
٧ - التمييز بين المظنون والمقطوع، وبين ما يكفي فيه غلبة الظن، وما لا بد فيه من القطع، ويعلن أن منشأ الاختلاف في الرأي، وأن الزلل والخطأ في الفكر هو الخلط بين المقطوع والمظنون، ولذا نراه يقدم بين يدي كل قضية يعرضها، التمييزَ بين القطعيات والظنيات، فيقول عن " الخبط والتخليط والإفراط والتفريط " في قضايا الإمامة:
" والسبب الظاهر في ذلك، أن معظم الخائضين في هذا الفن يبغون مسلك القطع في مجال الظن، ويمزجون عَقْدهم باتباع الهوى، ويمرحون في تعاليل النفوس والمنى ".
ثم يقول: " ونحن بتوفيق الله نذكر معتبراً يتميز به موضع القطع من محل الظن " (١).
ولا يفوته رضي الله عنه أن يؤكد قيمة هذا الأساس من أسس المنهج؛ فيقول: " ومن وفقه الله تعالى للوقوف على هذه الأسطر، واتخذها في المعْوِصات مآبه ومثابه، لم يعتَصْ عليه مُعضل، ولم يخْف عليه مشكل، وسرد المقصود على موجب الصواب بأجمعه، ووضع كل معلوم ومظنون في موضعه وموقعه " (٢).
ويقول في ختام أحد الفصول مؤكداً التزامه بهذا المنهج: " فقد نجز الفصل، مختوماً على التقدير بالمقطوع به في مقصوده، مثنى مما هو من فن المجتهدات، وقبيل المظنونات " (٣).
ولا يملّ من تأكيد هذا المعنى، والالتزام بهذا المنهج، فيقول في مفتتح الفصل الذى ختمه بالعبارة السابقة: " فنجري على الترتيب المقدّم والملتزم، ونبدأ بالمقطوع به " (٤).
(١) الغياثي الفقرات: ٦٩ - ٧٢.
(٢) الغياثي فقرة: ٧٢.
(٣) السابق: ٨١.
(٤) السابق: ٨٤.