وقال أبو حنيفة (١): لا يثبت الإحرام بمجرد النية، من غير قرينة، والقرينةُ الظاهرةُ التلبية. ثم أقام أبو حنيفة سَوْقَ الهَدْي، وإشعاره، وتقليده، مقام التلبية.
وذكر بعض أصحابنا قولاً قديماً للشافعي: " أن الإحرام لا ينعقد بمجرد النية "، وهذا اختيار أبي علي بن أبي هريرة، وأبي علي بن خيران، والشاهد لذلك اتفاقُ الناس، مُذ كانوا على الاعتناء بشعار التلبية، حالة العقد.
وكان شيخي يتردد في التفريع على القديم، في إقامة الإشعار، والتقليد، مقام التلبية. وسبب التردد أن ابن عباس كان يجعل نفسَ الإشعار والتقليدِ إحراماً.
والظاهر تعيين التلبية.
والمذهب الاكتفاء بالنية المجردة. ومن شَرَط التلبيةَ، لم يشترط التنصيص على ما جرى في النية من التعرض للحج أو العمرة، وهذا متفق عليه؛ فتكفي التلبيةُ المطلقة شعاراً، ثم التعويل فيما ينعقد مفصَّلاً، أو مجملاً على النية. وذكر الصيدلاني قولين في أنا هل نكره ذكر (٢) ما انعقد في التلبية: أحدهما - أنا نكره ذلك، نص عليه، وقال في موضع آخر: لا بأس بذكر ما أحرم به.
٢٥٣٦ - ومما يتم به غرض الفصل: أنه لو لبى بلسانه، ولم ينو بقلبه، فقد نقل المزني أنه يلغو ما صدر منه، ونقل الربيع أن إحرامه ينعقد مجملاً، ثم إنه يصرفه إلى أحد النسكين، أو إليهما.
وقد كثر خبط الأصحاب، ونحن نذكر المقصود.
فنقول: من ذكر التلبيةَ حاكياً، أو معلم، وقصد غرضاً سوى الإحرام، لم يصر محرماًً، خلافا لداود. وكذلك إذا جرى اللسان بالتلبية، فلا حكم له.
فأما إذا جرد قَصْده إلى النطق بالتلبية، ولم يخطر بباله قصدُ الشروع في الإحرام (٣)، فهذا موضع التردد. وللأصحاب طريقان: منهم من قال: في المسألة
(١) ر. بدائع الصنائع: ٢/ ١٦١، مختصر اختلاف العلماء: ٢/ ٧٩ مسألة ٥٦١، البحر الرائق: ٢/ ٣٤٧، ٣٩١، حاشية ابن عابدين: ٢/ ١٦٠.
(٢) ساقطة من الأصل.
(٣) عبارة الأصل: قصد الشروع للإحرام.