الجزئيات والفرعيات في ضوء الأصل الذي أَصَّله.
فمن ذلك قوله عند افتتاح الفصل الخاص بالتعديل والجرح: " ونقدم على غرضنا أصلاً هو مرجوع الكتاب وأصل الباب " (١) وقوله في موضع سابق: " وفي كل أصل من الأصول قاعدة كلية معتبرة، قكل تفصيل رجع إلى الأصل، فهو جارٍ على السييل المطلوب، وكل ما لم نجد مستنداً فيه، ومتعلقه تخييل ظن، فهو مُطرح " (٢).
١٠ - التحري والتدقيق في النقل عن الأئمة السابقين:
هذا مما يتبجح به بعض المعاصرين، ويسميه (التوثيق)، ويظنه من بدْع هذا العصر، ولكنه موجود أصيل في تراث أمتنا، وله مكانه ومكانته، وإمام الحرمين يضرب المثل في ذلك. ويعلِّمنا إياه، فيقول: " وحكى القاضي عن العراقيين طريقة أخرى، لم أطلع عليها مع بحثي عنها ".
فهو ينسب الطريقة (الرأي) إلى صاحبه، ثم يبين مصدره، وعمن أخذه، ثم يبحث عن صواب النقل حينما يتشكك في صدور هذا الرأي عن المنقول عنه، ويعلن أنه لم يطلع على هذا الرأي للعراقيين (المنقول عنهم) مع طول بحثه.
ثم يؤكد خطأ هذا الرأي عنده، فيقول: " ولا شك أن ما حكاه غلط " وهنا غاية الدقة في العبارة: " إن ما حكاه غلط " ولم يقل: أخطأ العراقيون؛ لأنه غير واثق من صحة النقل، فيقول بعد العبارة السابقة مباشرة: " لكني أخشى أن يكون الناقل غالطاً " وتشككه هذا ليس شيئاًً بالهوى والتشهي إنما هو مبني على معرفته بالمنقول عنه، وبحدود المسألة، وقيمة الرأي المنقول، ولذلك يقول: " فلا يستجيز المصير إلى ما حكاه عن العراقيين من أحاط بأطراف الكلام في أحكام هذه المعاملة " أي أن من عرف أطراف الكلام، أي الشادي المبتدىء لا يمكن عقلاً أن يصير إلى هذا الرأي ويقول به.
جاء هذا في (نهاية المطلب) عند الكلام عن إحدى مسائل القراض.
(١) البرهان فقرة: ٥٥٩.
(٢) السابق: ٥٥٧.