ثم تابع التأكيد لهذا المنهج قائلاً: " وإن جرت مسألة لم يبلغني فيها مذهب الأئمة، خرّجتها على القواعد، وذكرت مسالك الاحتمال فيها على مبلغ علمي وفهمي ".
فهو يؤكد أن المسائل التي لا يجد فيها حكماً لأئمة المذهب سيخرّجها على (القواعد) أي قواعد المذهب.
ويشهد لما نحاوله -من إثبات أن هذا الكتاب كان أسبقَ في تحرير المذهب- الاسمُ الذي اختاره له الإمام (نهاية المطلب في دراية المذهب)، فهو اسم معمودٌ مقصودٌ لأداء معنىً وتحقيق غاية، صرح بذلك الإمام قائلاً: " وقد استقرّ رأي على تلقيبه بما يشعر بمضمونه، فليشتهر بـ (نهاية المطلب في دراية المذهب) فمضمونه: (علم المذهب درايةً).
...
ثم من يطالع (النهاية) يجد الإمامَ التزمَ بما وعد به من (تهذيب مذهب الإمام المطلبي) فحينما ينقل وجوه الأصحاب، ويكون فيها ما لا يمكن تخريجه على أصول الشافعي ينبه على ذلك، ويميز ما ليس من المذهب عما هو منه، بل قد ينقدح عنده هو وجهٌ يخالف المذهب، فيعرضه، ويقرره، ولكنه يقول معقباً: " والمذهب كذا ".
وهاك بعض نماذج وأمثلة مما جاء في (النهاية):
* قال في كتاب الزكاة عند الحديث عن زكاة الحلي: " وهذا الذي ذكرته إشكال ابتديته، وليس قاعدةً للمذهب، فحقٌ على من يعتني بجمع المذهب أن يعتمد ما يصح نقله، ويستعمل فكره في تعليله جهده، حتى يكون نظره تبعاً لمنقوله، فأما أن يستتبع المذهَب، فهذا قصد لوضع مذهب " ا. هـ بنصه.
فهو يضع الضابط لتحرير المذهب، وهذا الضابط يقوم أولاً على التأكد من صحة النص المنقول عن الإمام الشافعي، وثانياً أن يكون الجهد في التخريج والتعليل والاستنباط (تبعاً لمنقوله) أي ملتزماً به، أما أن يجعل المذهب تابعاً لاجتهاده، وتعليله، " فهذا قصدٌ لوضع مذهب " أي ابتداع مذهب غير المذهب الشافعي، هذا منهجه في نهاية المطلب.