ومنهم من قال: الشرط صحيح، وينتفي الخيار، ويلزم العقد. وهذا القائل يحمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا، وقد روى الشافعي هذا التأويلَ عن مسلم بن خالد الزنجي (١)، فإن قيل: كيف يحمل قوله: "إلا بيع الخيار" على نفي الخيار، قلنا: المتعاقدان لو تخايرا في المجلس، وأَلزما العقدَ، لزم. فإذا شرطا قطعَ خيار المجلس، فكأنهما تعجلا التخايرَ والإلزامَ حالة العقد.
ومن أصحابنا من قال: الشرط فاسد، والعقد صحيح، ويثبت خيار المجلس.
وهذه الأوجه الثلاثة تقرب من الاختلاف في شرط نفي خيار الردّ بالعيب، على ما سيأتي. ولذلك لم نُغرق في التوجيه.
وإذا صححنا بيع الغائب، فشرط فيه نفي خيار الرؤية، ففيه الأوجه الثلاثة في خيار المجلس. وخيار الرؤية أبعد عن قبول النفي؛ فإن بيع الغائب مع نفي الخيار غرر ظاهر، ولا يتحقق ذلك في خيار المجلس.
فهذا تمهيدُ معتمدِ الباب. ثم نذكر بعد ذلك فصلين: أحدهما - ما يثبت فيه خيار المجلس من العقود، والثاني - في ذكر ما يقطع الخيارَ، أو يُنهيه.
الفصل الأول
فيما يثبت فيه خيار المجلس (٢)
٢٨٨١ - فأما ما يثبت فيه خيارُ المجلس، فقد قال الأئمة: إنه يثبت في كل بيع؛ فإن المعتمد فيه الخبر، وهو عام في كل بيع، فيندرجُ تحت ما ذكرناه: بيعُ العُروض، والصَّرف، والسَّلم، والمرابحة، والتَّوْلية والإشراك، كما سيأتي بيانها.
(١) مسلم بن خالد بن فروة المخزومي أبو خالد الزنجي المكي الفقيه، روى عنه ابن وهب والشافعي وآخرون. توفي في خلافة هارون الرشيد سنة ثمانين ومائة بمكة. (ابن حجر، تهذيب التهذيب: ١٠/ ١٢٨).
(٢) عنوان النص من عمل المحقق، أخذاً من تقسيم المؤلف نفسه.