فنذكر الأربعة منها فنّاً: وهي البُرّ، والشعيرُ، والتَمرُ، والملح، ثم نتكلم بعدها في الدراهم، والدنانير. فأما الأشياءُ الأربعة، فتحريم ربا الفضل فيها عند الشافعي معلَّلٌ في قوله الجديد بالطعمِ، ثم لهذه العلةِ محل وهو اتحاد الجنس، فإذا صادف الطعم جنساً متحداً، اقتضى تحريمَ التفاضل. وليس الجنسُ صفةً في العلةِ، وإن كان الحكم يتوقف عليه، وهذا بمثابة قولنا: الزنا موجبٌ للرّجم إذا صدر من محصنٍ، وليس الإحصانُ صفة في العلة، ولكنه محلّها. وقد استقصينا القول في ذلك في مجموعاتِنا (١) في الخلاف.
وأثر ما ذكرناه يبين في ربا النساء، وباب الصرف.
وقد ثبت الآن تحريمُ التفاضل في كل مطعوم متّحدٍ جنسُه سواء كان مقدراً بكيل، أو وزنٍ، أو لم يكن مقدراً، كالسفرجل، والرمان، والقثاء، والبطيخ.
واعتبر في القديم الطعم كما ذكرناه، وضمّ إليه التقدير وقال: علة الربا من الأشياء الأربعة الطعمُ، وإمكانُ التقدير. واعتبار التقدير في القديم وصفٌ في العلّة، وهي مركّبة من الطعم والتقدير، ومحل العلّة المركَّبة اتحادُ الجنس كما تقدم، وهذا أصل الباب في هذه الأشياء.
وإذا اختلف الجنسُ لم يحرم التفاضل، كما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: " وإذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم ".
٢٩٤٤ - ثم أول ما نبدأ به شرح الطعم الذي اعتبرناه في العلّة: فكل ما يكون الغرض الغالب منه الطعْم، وإنما يُعد غالباً له، فهو مالُ ربا على الجديد، مقدَّراً كان أو غير مقدَّرٍ. والمقدر مما يُطْعم مال ربا في القديم؛ فالأغذيةُ والفواكه داخلةٌ
(١) مجموعاتنا أي مؤلفاتنا، يشير إمام الحرمين، إلى كتبه في الخلاف، وقد عرفنا منها: الدرّة المضية فيما وفع فيه الخلاف بين الشافعية والحنفية (وقد وفقنا الله لتحقيقه وإخراجه). ٢ - غنية المسترشدين ويسمى اختصاراً (الغنية). ٣ - الأساليب. ٤ - العُمَد وهذه لم نعثر على أثر لها في المكتبات للآن. ولإمام الحرمين أيضاً (الكافية في الجدل)، وقد حققته وأخرجته الدكتورة فوقية حسين، جزاها الله خيراً.