تحكم أبي حنيفة (١) في مقابلة مدٍّ بمدٍّ، ودرهم (٢) بمد.
هذا قاعدة الفصلِ.
ومن مال إلى التوزيع من أصحابنا، فتقريبه أنا أُمرنا بطلب المماثلة، كما أُمرنا بتمييز الشقص المشفوع في الصفقة المشتملة على الشقص والسيف، ولا طريق يهتدى إليه إلا التوزيع.
وله نظائر في الشريعة، وهذا لا يقوى على السَّبرِ.
فقد حصل مسلكان: أحدهما - التوزيع، والآخر - عدم التماثل والاستبهامُ، ونحن الآن نُخرِّج مسائلَ الفصل على المسلكين.
٢٩٥٨ - فلو باع مُدَّ عجوة قيمتُه درهم ودرهماً؛ بمُدَّي عجوة قيمةُ كل واحد منهما درهم، فالبيع باطل باتفاق الأصحاب. فأمَّا من اعتمدَ التوزيع إذا قيل له: الدرهم نصف ما في هذا الجانب، فيقابل مداً، ويبقى مدٌّ في مقابلة مدٍّ، فلا تفاضل، فيقول مجيباً: إنما أدَّى التوزيع إلى التماثل من جهة أن قيمة المدّ الذي مع الدرهم فُرضت مثلَ الدرهم، وإنما صِيرَ إلى ذلكَ من جهة التقويم، والتقويم متلقى من الاجتهاد، وشرط التماثل أن يجري محسوساً .. هذا ما ذكره الموزّعون.
وأنا أقول: سبب التحريم في هذه الصورة ما قدَّمته من أن الصفقة اشتملت على مال الربا، ولم يتحقق جريان المماثلة، وقد تُعبّدنا بالمماثلةِ. وهذه الطريقة تجري في هذه الصورة جريانَها في الأُولى.
ولو باع مدَّ عجوةٍ ودرهماً بمُد عجوةٍ ودرهمٍ، فالبيع باطل، وسبيل تخريج الفساد على أصل التوزيع أن نقول: الدرهم في هذا الجانب ثلثُ ما في هذا الجانب (٣) مثلاً، فنقابل ثلُثَ درهم وثلُثَ مدٍّ، ويعود التفريع إلى بيع ثلث درهم وثلث مد بدرهم، ولو وضع البيع كذلك أول مرّة، لكان هذا بمثابة بيع درهم ومد بمدين؛ فإنه
(١) ر. إيثار الإنصاف: ٢٨٨، ٢٨٩، فتح القدير: ٧/ ١٤٤.
(٢) في هامش الأصل تعليق بخط مغاير، يقول: من يحفظ يصل إلى تحكم أبي حنيفة.
(٣) ما بين المعقفين سقط من الأصل.