أو يطلق. قلنا: ظاهرُ اللفظِ هذا، ولكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تكلّم في أمرٍ مستندُه العادة، نزَّل لفظُه على موجَبها، والعادةُ الجارية أن الإنسان لا يشتري الثمارَ قبل الزَّهو ليقطفها، وإنما يشتريها لتبقيتها إلى الجداد. هذه العادة. وإن فُرض غيرُ ذلك، كان خُرْقاً وسفهاً، فكأنه نهى عن البيع المعتادِ قبل بُدوّ الصلاح.
٣٠٣٥ - ثم ذكر الأئمةُ من طريق المعنى مسلكين في ضبط المذهب: أحدُهما - أن الثمار قبل بُدوّ الصلاح تكون متعرضة للآفات والصواعق، ومن اشتراها كان معرَّضاً مقصودُه للهلاك، وفي ألفاظ الشارع ما يدل على هذا المعنى، إذ رُوي: "أنه صلى الله عليه وسلم، نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة" (١).
والمسلك الثاني - أن الثمار قبل بدوّ الصلاحِ ستكبر أجرامها كبراً ظاهراً، وإنما هي من أجزاء الشجرة، فلم يجرِ شرطُ التبقية لذلك، وإذا بدا الصلاح فيها، فلا تكاد تزداد ازدياداً به مبالاة.
والأوجه في ضبط المذهب المعنى الذي قدمناه، وهو متلقى من الخبر كما ذكرناه. والمعنى الثاني معتضدٌ بأمير مذهبي، وذلك أن من اشترى أشجاراً عليها ثمارٌ غيرُ مُزهيةٍ، فالعقد صحيح، وإن لم يجر شرط القطع، لما كانت الأشجار مضمومةً في المِلكِ إلى الثمار، فإذا امتصت الثمارُ شيئاً من رطوبات الأشجار، فلا بأس؛ فإنهما جميعاً في ملكِ مالكٍ واحد، ولو كانت الأشجار ملكاً لزيد، وكانت الثمار مِلكاً لعمرٍو، وهي غيرُ مزهيةٍ بعدُ، فلو باعها عمروٌ من زيدٍ مالكِ الأشجار مُطلقاً، أو على شرْط التبقية، ففي صحةِ البيع وجهان: أحدهما - أن البيع يصح، كما لو جمع بين الثمار والشجر في العقد، ومعناه ما ذكرناه من اتحاد المالكِ في الأصل والفرع.
ومن منع قال: سبب تصحيح العقد الوارد على الثمر والشجر أن الأصلَ الشجرُ، والثمارُ معها تابعةٌ لها، فلا يضرّ تعرض المبيع للتَّوى (٢)، فكأنَّ أحدَ القائلَيْن يلتفت
(١) حديث: " ... حتى تنجو من العاهة"، هذا اللفظ عند مسلم في البيوع، باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها، ح ١٥٣٤ عن جابر مرفوعاً، "تذهب عنه الآفة" وعن ابن عمر لما سئل ما صلاحه، قال: تذهب عاهته.
(٢) في النسختين: "البيع للنوى". والتوى: الهلاك: تَوِي المال يتوَى: ذهب؛ فلم يُرْج، =