الخرصُ في الرطب الذي لا يمكن كيلُه مقامَ الكيل فيما لم يمكن كيلُه، والكيل على حالٍ أيسر من الوزن، والوزن أحصرُ من الكيل، فإذا احتمل الكيل ليُسرِه مع إمكان إجراء الوزن، فليُحتَمل الوزنُ، حيث لا يتأتى الكيل.
والشافعيُّ منعَ بيعَ التمرِ بالرطب لما تخيّلهُ من التفاوت عند تجفيف الرطب، ومتمسكه قولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: " أينقص الرطب إذا يبس " وهذه إشارةٌ من الشارع إلى المآل، فإذاً ما وراء الخمسة مردود بذكر الخمسة؛ فإن التقدير ينقصُ في اقتضاء المفهوم.
فهذا أقصى الإمكان في توجيه النص، وهو على نهايَةِ الإشكال.
٣٠٦٧ - ثم نفرّع على ما مهدناه مسائلَ، منها: أنه إذا اشترَى رجل في صفقاتٍ أَوساقاً كثيرة، وكل صفقةٍ لا يزيد مضمونُها على ما دون الخمسةِ، فالكل صحيحٌ، وحكم كل صفقة مأخوذٌ من مضمونها، لا تعلق لها بغَيرها.
ولو اشترى رجلان من رجل تسعةَ أوسق، فالبيع صحيح بلا خلاف؛ فإن إطلاق البيع يقتضي أن يملكَ كل واحدٍ من المشتريَيْن أربعةَ أوسقٍ ونصف، فلم يدخل في ملكِ كلّ واحد منهما إلا ما ينقصُ عن الخمسةِ.
ولو باع رجلان تسعة أوسق من رجل واحدٍ، فقد اختلف أصحابنا، فمنهم من أبطل البيعَ، وهو الذي اختاره صاحبُ التلخيص ووجهه أنه لو صح العقد، لدخل في مِلكهِ تسعةُ أوسقٍ بطريق الخَرْص دفعةً واحدة، وهذا يخالف مقصودَ الخبر، وإذا تحققت المخالفةُ، فلا فرق بين أن يتعدّدَ البائع أو يتَّحد.
ومن أصحابنا من صحح العقدَ، لأن الصفقةَ تتعدّدُ بتعدد البائع في العَهْد والردّ، فيجعل كأن المشتري اشترى أربعةَ أوسُقٍ ونصف في صفقة، واشترَى مثلَها في صفقةٍ أُخرى.
فترتيب المذهب إذاً أنه لو باع رجلان من رجلين، فاعتبار الخرصِ تسعةُ أوسق، فالبيع صحيح. ولو اشترى رجل من رجلين تسعة أوسق، فالبيع على الخلافِ. ولو اشترى رجلان من رجلٍ تسعةَ أوسق، فالبيع صحيح بلا خلاف.