قول النبي عليه السلام: " وإن سخطها ردّها، ورد معها صاعاً من تمر ". واختلف طرق الأصحاب: فذهب بعضهم إلى اتباع الخبر ومحاذرةِ الميل عنه، فأوجبوا في مقابلة اللبن المحلوبِ صاعاً من تمر، قلَّ اللبنُ أو كثر. فإن قل قدرُ اللبن مرةً وأبرّت عليها قيمةُ الصاع، عارضَ ذلك الاكتفاءُ بصاعٍ من تمر وإن كثر اللبن. فهذا مسلك.
ومن أصحابنا من قال: يقلّ التمرُ بقلة اللبن، ويكثر بكثرته، فقد يوجب ردَّ آصعٍ، وقد يكتفى بردّ مُدٍّ، فما دونه، على ما يقتضيه تعديل القيم.
٣١٢٤ - ثم كما اختلف الأصحاب في المقدار: فصار صائرون إلى اتباع الصاع، من غير زيادة ولا نقصان، وذهب آخرون إلى اعتبار قيمة المبذول بقيمة اللبن. كذلك اختلفوا في الجنس، فذهب ذاهبون إلى أن الأصلَ التمرُ، فلا مَعْدِلَ عنه. وقال قائلون: يقوم مقام التمر الأقواتُ؛ اعتباراً بصدقةِ الفطر، ثم لا يعدِّي الأئمةُ في هذه الطريقة القوتَ إلى الأقطِ، كما يعدي بعضهم إليه في صدقة الفطر؛ فإن السبب الحامل على المصير إلى إجزاء الأقِط خبر فيه، وذلك الخبر لا يعدَّى به مورده.
وقد روى شيخي في بعض صيغ حديث المصراة التعرضَ للحنطة. وهذا هو الذي مهد لأصحاب القوت مذهبَهم، وإلا فالأصل الاتباع.
ثم من عدَّى إلى الأقوات، وانحصر فيها، فليس منسلاً بالكلية عن الاتباع.
وأما تنزيل المبذول على قيمة اللبن، فهو مسلكٌ في الجُبران. والضمانُ منقاسٌ.
وذكر شيخي مسلكاً غريباً زائداً على ما ذكرهُ الأصحاب في طرقهم، فقالَ: من أصحابنا من قالَ نَجري في اللبن على قياس المضمونات، فإن بقي عينُه، ولم يتغيَّر، ردّه، وليسَ عليه رَدّ (١) غيرهِ. وإن تغير، ردَّ مثلَه؛ فإنّ اللبن من ذواتِ الأمثالِ؛ فإن أعوز المثلُ، فالرجوعُ إلى القيمة. وقد أومأ إليه صاحب التقريب، ولم يصرح به.
وهذا عندي غلط صريحٌ، وتركٌ لمذهب الشافعي، بل هو حيدٌ عن مأخذ مذهبه، ويبطل عليه مذهب الشافعي في مسألة المصراة، ولا يبقى إلا الخيار، فإن اعتمدنا فيه الخبر، لم يبعد من الخصم حمله على شرط الغزارة، مع تأكيد الشرط بالتحفيل.
(١) ساقطة من (هـ ٢)، (ص).