أصحابنا من قال: إن ظهرت الخيانةُ بإقرار البائع، فلا خيارَ للمشتري، وإن ظهرت الخيانةُ ببيّنةٍ، فله الخيار؛ فإن الإقرارَ يبيّن تندُّمَه على ما تقدَّم منه، ويثبت ثقة بقوله، بخلاف البيّنة.
وهذا لا حاصل له.
والفقهُ المطلوب في هذا أنَ توقع خيانةٍ أخرى يجري في الإقرار وقيام البيّنة.
ولكن إن (١) تحقق المشتري مبلغَ الثمن، وأمِنَ من تقدير خيانةٍ، وذلكَ بأن يتذكَّر بنفسه ما وقع ذلك العقدُ الأول عليه، وكان شهدهُ وشاهَدهُ، ثم نسيَهُ. فإن كان كذلكَ، فالخيارُ مع الحطِّ لا متعلَّق له إلا الأغراضُ البعيدة التي أشرنا إليها، في الأَيْمان والوصايا، ولا اختصاص لها بغرض العقد، ويتعذر إثبات الخيار لها، وإن لم يتيقن المشتري زوالَ إمكان خيانةٍ أخرى، فيتعلَّق الخيار بالمعنيين المذكورين.
٣٢١٨ - وتمامُ الكلام في ذلكَ أنا إن حططنا من المشتري، ولم نخيّره أو خيَّرناه، فما اختار الفسخَ، بل أجازَ العقدَ، فهل يثبت للبائع الخيارُ؛ من جهة أنه طمِعَ في المبلغ الذي سقاه ثمناً ثم أخلف ظنُّه؟ في المسألة وجهان: أحدُهما - أنهُ لا خيار له؛ لأنهُ لم يفُتْه حق مستحق بالعقد، ويبعد أن يصير تلبيسُه أو غلطُه سبباً لثبوت الخيار له.
والوجه الثاني - أنه يثبت الخيار له؛ لأن ذلك أمّلَه بأن يسقم له ما سمَّاه، ثم خاب ظنُّه. وهذا يقرب من الخيار الذي ذكرناه في بَيع الصُّبرة بالصُّبرةِ مُكايلة، حيث قال الشافعي: وللمنتقَص صُبرتُه الخيارُ؛ فإنه على ظنّه باستحقاق الصُبرة، ثم اقتضت المكايلةُ خروج بعضها عن الاستحقاق.
وهذا نجاز الكلام في الخيانة.
٣٢١٩ - فأمّا إذا باع الشيءَ مرابحةً، ثم بان أن ثمنَ العقدِ الأولِ كان أقلَّ، ولكن لم يعتمد البائعُ ذلك خائناً، بل أخطأ، فترتيبُ الكلامِ في قواعدِ الخلافِ والوفاقِ في الحطِّ والخيارِ كما تقدَّم في الخيانةِ، غيرَ أن الخَطأ قد يترتبُ على الخيانةِ، كما سنصفُ ذلك.
(١) ساقطة من الأصل.